وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أنّ له سفراء في خلقه ، يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء عليهمالسلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم ، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهر وزمان ما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض اللّه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته» (١).
٣ ـ حديث منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللّه عليهالسلام :
«إنّ اللّه أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يُعرفون باللّه. قال : صدقت. قلت : إنّ من عرف أنّ له ربّا ، فقد ينبغي له أن يعرف أنّ لذلك الربّ رضا وسخطا ، وأنّه لا يُعرف رضاه وسخطه إلاّ بوحي أو رسول ، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل ، فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة وأنّ لهم الطاعة المفترضة ، وقلت للناس : تعلمون أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان هو الحجّة من اللّه على خلقه؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم من كان الحجّة على خلقه؟ فقالوا : القرآن ، فنظرتُ في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجيّ والقَدَري
__________________
(١) اُصول الكافي : (ج١ ص١٦٨ باب الإضطرار إلى الحجّة ح١).