لكن من الواضح أنّه لا يقبل حتّى عقل الصبيان أن تكون هذه المخلوقات اللامتناهية وُجِدَت بنفسها بالصدفة العمياء أو بالطبيعة الصمّاء ..
بل حتّى عقل المادّيين والطبيعيّين ـ كما تلاحظه في حياتهم ـ لا يقبل الصدفة. لذلك تراهم يبحثون عن سبب جريمة صغيرة وقعت في بلادهم وفوجئوا بها في دولتهم ويتفحّصون عن علّتها. ولا يقبلون الصدفة فيها.
وترى طبيبهم الملحد ـ مثلاً ـ يصرف مدّة مديدة ، وساعات عديدة من عمره في سبيل معرفة سبب وجود غُدّة صغيرة في جسم إنسانٍ مريض تصدّى لمعالجته ، ولا يقبل أن يؤمن بأنّها وجدت بنحو الصدفة والإتّفاق ، أو أوجدتها طبيعة الآفاق ..
فكيف بهذه البدائع العظيمة في هذا العالم العظيم ، هل يمكن قبول أنّها وجدت بالإتّفاق والصدفة؟!
والصدفة إن أمكنتها خلق شيء فلابدّ وأن تكون موجودة هي بنفسها .. فنسأل من هو مُوجِدها؟ وإن لم تكن موجودة فيقال : إنّ المعدوم لا يمكنه إيجاد شيء. على أنّ الصدفة العمياء شاردة غير منتظرة ، لا تخضع لأي حسابٍ وقانون ، بل تخالف الحسابات العلمية ، فكيف يمكنها أن توجِد هذه الخلائق الكونيّة التي تُبهر العقول وتُدهش العقلاء؟
وكيف يمكنها أن توجِد المادّة الاُولى لهذا العالم كما يزعمون حتّى يكون العالم ماديّا؟
وكيف يمكنها أن توجِد تكاملها وعلّية موجوداتها فيما بينها ـ كما يدّعون ـ حتّى يكون العالم صدفيا؟ والحال أنّ الصدفة عمياء صمّاء ، وليس لها حظٌّ من العطاء.