صلاة المغرب فأمعن (١) بعيدا ، ثمّ أذّن ، فلمّا فرغ عن أذانه إذا رجل مقبل نحو الجبل ، أبيض الرأس واللحية والوجه ، فقال : السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، مرحبا بوصيّ خاتم النبيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والأعزّ المأمون ، والفاضل الفائز بثواب الصدّيقين ، وسيّد الوصيّين ؛ فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : عليك السلام ، كيف حالك؟ فقال : بخير أنا منتظر روح القدس ، ولا أعلم أحدا أعظم في اللّه عزوجل اسمه بلاءا ولا أحسن ثوابا منك ، ولا أرفع عند اللّه مكانا ، اصبر ياأخي على ما أنت فيه حتّى تلقى الحبيب ، فقد رأيت أصحابنا ما لقوا بالأمس من بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير ، وحملوهم على الخشب ، ولو تعلم هذه الوجوه التَرِبَة الشائهة (٢) ـ وأومأ بيده إلى أهل الشام ـ ما اُعدّ لهم في قتالك من عذاب وسوء نكال لأقصروا ، ولو تعلم هذه الوجوه المبيضّة ـ وأومأ بيده إلى أهل العراق ـ ماذا لهم من الثواب في طاعتك لودّت أنّها قرضت بالمقاريض ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.
ثمّ غاب من موضعه ، فقام عمّار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وعبادة بن الصامت ، وخزيمة بن ثابت ، وهاشم المرقال في جماعة من شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام ـ وقد كانوا سمعوا كلام الرجل ـ فقالوا : ياأمير المؤمنين! من هذا الرجل؟ فقال
__________________
(١) يقال : أمعن في النظر أي بالغ في الإستقصاء ، وكذا أمعن في الطلب ، ويقال : أمعن في الأمر أي أبعد.
(٢) الشائهة أي القبيحة ، والتَرِبة أي الفقيرة.