الشاملة على جميع الأزمنة والأمكنة المخلوقة له ، والحادثة بإرادته ومشيئته ، فلا معنى لأن يكون زمان ماضٍ أو حال أو مستقبل لخالق الزمان ، أو يكون له هذا المكان دون ذلك المكان وهو خالق جميعها ، بل من الواضح أن يطلع على جميع ما في الأزمنة والأمكنة فهو العالم بها جميعا والحاضر الناظر إليها محيطا.
ومُثّل للإحاطة بمثال تقريبي للتوضيح ، وهو مثال الإنسان الناظر من شاهق البناء العالي بالنسبة إلى الناظر من رَوزنة الغرفة الصغيرة فالأوّل يرى جميع ما يكون أمامه ، بينما الثاني لا يرى إلاّ ما يمرّ أمام رَوزنته.
وكيف لا يعلم اللّه تعالى جميع الأشياء وقد خلقها وأوجدها؟ هذا من المستحيل.
قال اللّه تعالى : (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١).
وكيف يعقل أن لا يعلم اللّه تعالى ضمائر الناس ، وقد خلق أشخاصهم وأرواحهم وقلوبهم وعقولهم ومنحهم القوّة والقدرة والتفكير والتعبير؟
قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢).
فلا يبقى شكّ بل يحكم العقل بكلّ قطعٍ ، بأنّ هذه الذات الشريفة الخالقة المحيطة ذات عالمة أحاطت بكلّ شيء علما ، ووسعت كلّ شيء خُبرا.
٣ ـ إنّ النظم والتدبير ، والحكمة والتقدير ، والدقّة المدهشة العجيبة التي نراها في جميع مجالات الكون ، وفي جميع خلائق العالم من إنسانها وحيوانها وسمائها وأرضها ونباتها وجميع موجوداتها من المجرّة إلى الذرّة ، تُنبى ء عن علم
__________________
(١) سورة الملك : (الآية ١٤).
(٢) سورة ق : (الآية ١٦).