البدن وإجمام قواه كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدمغه حتّى ينهك بدنه.
ولو كان إنّما يتحرّك للجماع بالرغبة في الولد كان غير بعيد أن يفتر عنه حتّى يقلّ النسل أو ينقطع ، فإنّ من الناس من لا يرغب في الولد ولا يحفل به ، فانظر كيف جعل لكلّ واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محرّك من نفس الطبع يحرّكه لذلك ويحدوه عليه (١).
واعلم أنّ في الإنسان قوى أربعة : قوّة جاذبة تقبل الغذاء وتورده على المعدة ، وقوّة ممسكة تحبس الطعام حتّى تفعل فيه الطبيعة فعلها ، وقوّة هاضمة وهي التي تطبخه ، وتستخرج صفوه وتبثّه في البدن ، وقوّة دافعة تدفعه وتحدر الثفل الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها.
تفكّر في تقدير هذه القوى الأربعة التي في البدن وأفعالها وتقديرها للحاجة إليها والارب فيها ، وما في ذلك من التدبير والحكمة ، ولولا الجاذبة كيف يتحرّك الإنسان لطلب الغذاء التي بها قوام البدن؟
ولولا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتّى تهضمه المعدة؟
ولولا الهاضمة كيف كان ينطبخ حتّى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن ويسدّ خلله؟
ولولا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلّفه الهاضمة يندفع ويخرج
__________________
(١) أي يبعثه ويسوقه إليه.