الأصناف مسخّرة للإنسان.
فبِمَ كانت كذلك؟ إلاّ بأنّها عدمت العقل والرويّة فإنّها لو كانت تعقل وتروي في الاُمور كانت خليقة أن تلتوي على الإنسان في كثير من مآربه ، حتّى يمتنع الجمل على قائده ، والثور على صاحبه ، وتتفرّق الغنم عن راعيها ، وأشباه هذا من الاُمور.
وكذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل ورويّة فتوازرت على الناس كانت خليقة أن تجتاحهم (١) فمن كان يقوم للأسد والذئاب والنمورة والدببة لو تعاونت وتظاهرت على الناس.
أفلا ترى كيف حجر ذلك عليها وصارت مكان ما كان يُخاف من إقدامها ونكايتها تهاب مساكن الناس وتحجم عنها ثمّ لا تظهر ولا تنشر لطلب قوتها إلاّ بالليل؟ فهي مع صولتها كالخائف للإنس بل مقموعة ممنوعة منهم ، ولولا ذلك لساورتهم في مساكنهم وضيّعت عليهم (٢).
ثمّ جعل في الكلب من بين هذه السباع عطف على مالكه ومحاماة عنه وحفاظ له فهو ينتقل على الحيطان والسطوح في ظلمة الليل لحراساة منزل صاحبه ، وذبّ الدغار عنه (٣).
ويبلغ من محبّته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه ودون ماشيته وماله ، ويألفه غاية الاُلف حتّى يصبر معه على الجوع والجفوة.
__________________
(١) أي تستأصلهم وتهلكهم.
(٢) في نسخة : وضيّقت عليهم.
(٣) الدغار بتخفيف الغين هو : الإختلاس ، وفي بعض النسخ : الذعار.