من خلقه لا بعقل ورويّة.
فإنّ الاُيّل (١) يأكل الحيّات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا من أن يدبّ السمّ في جسمه فيقتله ، ويقف على الغدير وهو مجهود عطشا ، فيعجّ عجيجا عاليا ولا يشرب منه ولو شرب لمات من ساعته ، فانظر إلى ما جعل من طباع هذه البهيمة من تحمّل الظماء الغالب خوفا من المضرّة في الشرب ، وذلك ممّا لا يكاد الإنسان العاقل المميّز يضبطه من نفسه.
والثعلب إذا أعوزه الطعم تماوت ونفخ بطنه حتّى يحسبه الطير ميّتا فإذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فأخذها ؛ فمن أعان الثعلب العديم النطق والرويّة بهذه الحيلة إلاّ من توكّل بتوجيه الرزق له من هذا وشبهه؟ فإنّه لمّا كان الثعلب يضعف عن كثير ممّا يقوى عليه السباع من مساورة الصيد اُعين بالدهاء والفطنة والإحتيال لمعاشه.
والدُلفين (٢) يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك أن يأخذ السمك فيقتله ويشرحه حتّى يطفو على الماء ، يكمن تحته ويثوّر الماء الذي عليه حتّى لا يتبيّن شخصه ، فإذا وقع الطير على السمك الطافي وثب إليها فإصطادها ، فانظر إلى هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة؟» (٣).
__________________
(١) الاُيّل هز الغزال.
(٢) الدُلفين بضمّ الدال وسكون اللام : من الحيتان البحرية الكبيرة تسمّى في العربية الدخس.
(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص١٠٠).