تفكّر لولا أنّها مجبولة على ذلك؟.
اعتبر بخلق البيضة وما فيها من المح الأصفر الخاثر (١) ، والماء الأبيض الرقيق ، فبعضه لينتشر منه الفرخ ، وبعضه ليغذّى به (٢) ، إلى أن تنقاب عنه البيضة ، وما في ذلك من التدبير ، فإنّه لو كان نشوء الفرخ في تلك القشرة المستحصنة التي لا مساغ لشيء إليها لجعل معه جوفها من الغذاء ما يكتفي به إلى وقت خروجه منها ، كمن يحبس في حبس حصين لا يوصل إلى من فيه فيجعل معه من القوت ما يكفي به إلى وقت خروجه منه.
فكّر في حوصلة الطائر وما قدِّر له ، فإنّ مسلك الطعم إلى القانصة (٣) ضيق لا ينفذ فيه الطعام إلاّ قليلاً قليلاً ، فلو كان الطائر لا يلتقط حبّة ثانية حتّى تصل الاُولى إلى القانصة لطال عليه ، ومتى كان يستوفي طعمه؟ فإنّما يختلسه إختلاسا لشدّة الحذر ، فجعلت الحوصلة كالمخلاة المعلّقة أمامه ليوعي فيها ما أدرك من الطعم بسرعة ثمّ تنفذه إلى القانصة على مهل ، وفي الحوصلة أيضا خلّة اُخرى ؛ فإنّ من الطائر ما يحتاج إلى أن يزقّ فراخه فيكون ردّه للطعم من قرب أسهل عليه.
وتأمّل ريش الطير كيف هو؟ فإنّك تراه منسوجا كنسج الثوب من
__________________
(١) المُحّ بضمّ الميم هي : صُفرة البيض ، والخاثر هو : الثخين.
(٢) في نسخة : ليغتذى به.
(٣) القانصة للطير كالمعدة للإنسان.