قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع والجواشن (١) لتقيه من الآفات ، فاُعين بفضل حسّ في الشمّ لأنّ بصره ضعيف والماء يحجبه ، فصار يشمّ الطعم من البعد البعيد فينتجعه (٢) ، وإلاّ فكيف يعلم به وبموضعه؟
واعلم أنّ من فيه إلى صماخيه منافذ فهو يعبّ الماء بفيه ويرسله من صماخيه (٣) فيتروّح إلى ذلك كما يتروّح غيره من الحيوان إلى تنسّم هذا النسيم.
فكّر الآن في كثرة نسله وما خصّ به من ذلك ، فإنّك ترى في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرة ، والعلّة في ذلك أن يتّسع لما يتغذّى به من أصناف الحيوان فإنّ أكثرها يأكل السمك ، حتّى أنّ السباع أيضا في حافات الآجام (٤) عاكفة على الماء أيضا كي ترصد السمك فإذا مرّ بها خطفته ، فلمّا كانت السباع تأكل السمك والطير يأكل السمك والناس يأكلون السمك والسمك يأكل السمك كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من الكثرة.
فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك ، ودواب الماء والأصداف ،
__________________
(١) الجواشن جمع جوشن ، وهو : الدرع.
(٢) أي يطلبه في موضعه.
(٣) الصماخ بكسر الصاد : خرق الاُذن الباطن الذي ينفذ إلى الرأس ، وعبّ الماء بمعنى شربه بمصّ من غير تنفّس.
(٤) جمع الجمع للأجمة بمعنى الشجر الكثير الملتفّ ، وقيل : الآجمة تكون من القصب.