أما جنگيزخان فإنه عند ما سمع قتل أصحابه عظم ذلك عليه وغضب منه غضبا كبيرا جدا وهجر النوم وصار يحدث نفسه ويفكر فيما يفعله. وقيل (١) إنه صعد إلى رأس تل عال وكشف رأسه وتضرع إلى الباري تعالى طالبا نصره على من بادأه بالظلم وبقي هناك ثلاثة أيام بلياليها صائما. وفي الليلة الثالثة رأى في منامه راهبا عليه السواد وبيده عكازة وهو قائم على بابه يقول له : لا تخف افعل ما شئت فإنك مؤيد. فانتبه مذعورا ذعرا مشوبا بالفرح وعاد إلى منزله وحكى حلمه إلى زوجته وهي ابنة أونك خان فقالت له : هذا زي أسقف كان يتردد إلى أبي ويدعو له ومجيئه إليك دليل انتقال السعادة إليك. فسأل جنگيزخان من في خدمته من نصارى الأويغور : هل هنا أحد الأساقفة فقيل له عن ماء دنحا. فلما طلبه ودخل عليه بالبيرون الاسود قال هذا زي من رأيت في منامي لكن شخصه ليس ذاك. قال الأسقف : يكون الخان قد رأى بعض قديسينا. قال العبري بعد أن أورد هذه الحكاية وعبر عنها بلفظ قيل إن استمر في قوله : ومن ذلك الوقت صار يميل إلى النصارى ويحسن الظن بهم ويكرمهم (٢).
هذا وإن جنگيزخان أراد في سياسته أن يستفيد من العناصر الضعيفة والمخالفة للمسلمين والمذاهب المستضعفة من المسلمين فقرر لزوم رعايتهم ليحصل على المعلومات الكافية وليدلوه على خفايا المسلمين وبواطنهم وكافة أحوالهم في الوقت الذي هم عائشون معهم وأعرف بهم ، ويظهر أثر ذلك بوضوح في فتح بغداد على يد هولاكو
__________________
(١) هذه الحكاية نقلها ابن العبري وهو نصراني ومع هذا عبر عنها بلفظ قيل لعدم وثوقه منها واعتقاده بصحتها ونحن نذكرها لنبين أوضاع القوم مع المخالفين لتظهر السياسة ... وفي طبقات السبكي أورد مثلها وليس فيها ذكر للنصارى «ج ١ ص ١٧٨».
(٢) «ر : ص ٤٠٢ عبري.