بنتيجة المجاورة أو القربى ... والإمارات لديهم قليلة جدا ، ولا يلتفت إلى دعاوى بعض امرائهم. أو شعرائهم في حماستهم من أنهم أقوى الأمم ، وأنهم تخر لهم الجبابرة ساجدين ، وأنهم ملكوا البر والبحر ...
ومن شاهد القوم في باديتهم لأول وهلة ، ورأى إدارتهم بنظرة بسيطة قطع أنهم أهل بداوة ... والأمر بين ذاك الغلو في الدعوى والمبالغة في الذم من المجاورين (الفرس خاصة) ... فللعرب نظام اجتماعي لكل قبيلة ويكاد يتشابه في القبائل بتفاوت قليل مما أصله معروف ومتعين ... يضاف إلى هذا ما لديهم من أخلاق نبيلة في كثير من أحوالهم كالشمم والإباء ، وحفظ الجوار والوفاء ... والصلاح لكل ما يستطاع من المكانة الاجتماعية. والفضائل النفسية ...
كان يفقدهم التضامن ، والاجتماع العام نظرا إلى تأصل العداء وتمكنه منهم ، ومن ظواهره الأخذ بالثأر ولو تقادم العهد ... والنهب والسلب (الغزو) ، والتباعد من بعضهم البعض بحيث تكاد كل قبيلة أن تنفصل عن غيرها وتستقل في كافة شؤونها ... يدل على ذلك التفاوت نوعا في لغاتهم ، والتباين في أديانهم ، والتخالف في عوائدهم ، وغزو بعضهم بعضا ، وقتالهم سواء في حلهم وترحالهم ... لم تؤلف بينهم جامعة ، وتغلب عليهم الفوارق أكثر من التشابه ، ولم يتفقوا إلا بعض الاتفاقات كما في (التنوخ) المعروف تاريخيا ... وهؤلاء حلوا البحرين. ثم مالوا إلى ضواحي العراق وتملكوا بعض أنحائه ... وكونوا إمارات صارت ملجأ للعرب الذين هاجروا إليهم بعد ذلك ؛ وكان قد سبقهم إلى التوطن (الحضر) في العراق. و(الغسانيون) في سورية ، ولهؤلاء تاريخ معروف اجمالا. وتنقل عنهم مبالغات زائدة مثلما ينقل بفخر وحماسة عن امراء البادية ... المجاورون ـ خصوصا الفرس ـ تجاوزا الحد في الذم ونبزوهم بشر الأوصاف ، وعدوها خصائص لازمة قطعا ، وغير منفكة ... ولم يدروا أن الأقوام في تبعثرها الاجتماعي وأوضاعها