فلما استخدم القوم الترك وخلفهم ابناؤهم ولم يلقنوا السياسة ومنطوياتها. أو أنهم أهملوا أمرها لانهماكهم في ملذاتهم ، ولأنهم أمنوا الطوارىء بخدامهم الصادقين فأمّروهم وباتوا بطمأنينة كاملة ... ومن هنا داهمهم الخطر وتسرب إليهم الضرر ، ونالهم المكروه من جراء الإهمال ... أو قل سلموا مقاليد الأمور إليهم ، بل إنهم استرسلوا في الأهواء فناب عنهم خدامهم وأعوانهم فصاروا هم الأمراء بل الخلفاء وأودع إليهم الحل والعقد وصارت الدولة في أيديهم ...
عرف هؤلاء الأمراء خلفاءهم. ولما استقر لهم المقام في ادارتهم ، ونالوا الإمارة ؛ تسلطوا ... وتدخلوا في كافة الشؤون حتى في أمور الخلافة ، ولم تدر الخلفاء ماذا يفعل بهم ... فعهدت الأمور إلى هؤلاء المماليك من حوط الثغور والنظر في السياسة ... ولما شعر بعض الخلفاء بما جرى حاول القيام فلم يتمكن وهو في حالة من يصحو من سكرته قليلا فقام المماليك في وجههم علنا. وطغوا على ملوكهم ... فأصاب الخلفاء منهم ما أصابهم ، وقد يكون ما أصاب بعض الخلفاء بلا علم منه ولا معرفة بما وقع ... ذلك لأن الأمراء تقارعوا فيما بينهم فكانت العاقبة أن سخط هؤلاء على الخليفة للسخط على مملوكه وهو أمير آخر ... وهكذا.
ومن ثم قوي أمرهم كثيرا واستمروا في الإدارة ولم يستطع في هذه الحالة الخلفاء أن يستعينوا بغيرهم للقضاء عليهم ... إلى أن قضي على الخلفاء وعليهم ... بالصورة المشروحة عند الكلام على الخليفة المستعصم. لذا نرى قادة جيشنا في محاربة المغول تركا وتترا والمخابرات السياسية والاستهواء كان من هذه الناحية وحادثة ايبك الحلبي من جملة هذه ، فقد مال للجيش المغولي وصار هاديه في سيره ... ولعل أكبر دواعي تمكن المغول هو أن الترك كانوا منبثين في كل الأنحاء فلم يجد المغول غرابة أو عدم ألفة معهم بل التفاهم سهل جدا ... وهكذا وقع ...