خاصة ، أو أوضاع شاذة ... دعت إلى الاطراء الزائد أو التكتم ... ومن حيث العموم لا نجد أصدق لهجة في بيان حقيقة الوقائع من مؤرخينا وإنما نوجه اللائمة في المحاكمة والاستنتاج أو المدح أو الاخفاء ... ولا تلبث أمثال هذه أن تزول بعد عصر أو عصرين فتظهر الحقيقة ناصعة مجردة ... فأنا مقتنع من مصادرنا وقاطع بصحتها إلا ما رأيته خلاف الوثائق المعروفة والثابتة ... فكانت طريقتي أن استمع القول وأتبع أحسنه بمراعاة الواقع بقدر ما يمكن الحصول عليه والتوصل لمعرفته ... وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد ... في أمثال القضايا الموضوعة البحث.
ولا يفوتنا أن نقول كلمتنا عن بعض المؤرخين الذين لا يعتمدون على أنفسهم وإنما يذكرون النص بعينه وحرفيا دون مراعاة المجرى للوقائع والتثبت منها ويتقيدون به تقيدا لا يأتلف والتاريخ الحقيقي ... فهؤلاء لا تكون نظرتهم صائبة إلا في الاختيار أحيانا وغالب نقولهم مغلوطة ... ذلك أن النظرات العامة سواء منها مما يتعلق بالاجتماع ، أو بالادارة ، أو بالعقائد أو باللغة ... إنما تستنتج من خلال الوقائع ، ومجموعها ... استفادة من الأوضاع ، أو السير التاريخي وتياره الجارف ... لذا لا يصح الاعتماد على قول شخص قد يكون رأى صفحة ، أو لاحظ ناحية ، أو عثر على نص تاريخي يتعلق بوقعة جزئية ... أو تصوير للحادثة ناشىء عن توهم ... والعمدة على المجرى ، وعلى تشميل الوقائع وإجمالها بصورة عامة ... فما خالف ذلك لا يركن إليه ... فالنص الذي يجب نقله هو الذي لا يعدو هذه الناحية ... فالتاريخ ـ في نظري ـ يدقق تيارات الأمم ، ومجاري سيلها الجارف ، وأثرها في الحقوق والإدارة والاجتماع ، وعمارة الأرض وخرابها ... ولا نجد شيئا من ذلك في الوقائع الجزئية بعينها ... مما مبناه قصر البصر ... فهو ملخص جميع الوقائع ، وزبدتها والنظرة