احتلت العراق والأمة العراقية بدا كل أمر جديد لديها ، الإدارة والدين ، واللغة ، والاجتماع ... فلم تألف منها هذه الأمور كلها ، ولا علاقة سابقة لها بها ، وقد تكون سمعت عنها ولكنها غريبة من مألوفها ...
قضت على الحكومة العباسية ، وأسست إدارة خاصة ، وهي ما عدا أيام حروبها ومقارعتها لم تتعرض للأديان والمذاهب إلا أنها ناصرت الاقليات أو بالتعبير الأصح اعتمدت عليها ولم تدع جانبا من جوانب السياسة إلا ولجته ... واستخدمت هؤلاء لتقوى في الإدارة على العنصر الغالب وتجعلها وفق مرغوبها ، أو لتمشي خطتها ، وتسيّر سياستها كما تشاء ... فكانت من أمهر الإدارات في خططها الاستعمارية ، وسياستها الداخلية ... وبحثنا في هذا القسم مقصور على الإدارة ... والمسلمون في هذه الحالة كانوا في يأس من أمرهم رغم أن الحكومة الفاتحة لم تتعرض لأوقافهم ، ولا لإداراتهم الدينية ولا لأحوالهم الداخلية ... ولم تستخدم إلا بعض الموظفين المحصوري العدد بل القليلين جدا كالوزراء وبعض الموظفين ...
أما الإدارة الحاضرة ـ عن هذا الدور ـ فقد خرجت فيها من طريق الخلافة وأبهتها العامة الكبرى فعادت ايالة لها حكمها ، وقد احتفظت بشهرتها السابقة ، ومركزها العلمي والأدبي بين الممالك والأمم ...
نعم لم تفقد بذلك مزاياها الأخرى ـ ما عدا الاستقلال والسياسة العامة وهما أعظم شيء ـ وقد نبغ فيها علماء أكابر ، وأدباء وشعراء ... يكادون يضارعون من سبقهم لولا تأثير الفارسية وشيوعها بكثرة ، واكتسابها شكلا سياسيا نوعا ، ونجاحها في الإدارة المباشرة ...
وعلى كل تغير من أوضاعها ، وتبدل نوعا من اجتماعها وانحطت مدارك أهليها عن ذي قبل مما سيوضح في قسم خاص ... وسيرى القارىء حوادث هذه الأيام السياسية في هذا الجزء بتفاصيلها على قدر