أيضاً ، وهو أنّ توهم دخل خصوصية هؤلاء الأشخاص مبني على أن تكون الأحكام مجعولةً على نحو القضايا الخارجية ، وليس الأمر كذلك ، فانّ التحقيق أنّها مجعولة على نحو القضايا الحقيقية ، فلا دخل لخصوصية الأفراد في ثبوت الحكم لها ، بل الحكم ثابت للطبيعة أينما سرت من الأفراد الموجودة بالفعل وما يوجد بعد ذلك ، فلو كان هذا الشخص موجوداً في زمان الشريعة السابقة ، لكان الحكم ثابتاً في حقه بلا إشكال ، فليس القصور في ثبوت الحكم من ناحية المقتضي ، إنّما الكلام في احتمال الرافع وهو النسخ ، فيرجع إلى أصالة عدم النسخ ، ولا مانع منه من جهة اعتبار وحدة الموضوع في القضيتين ، إذ الوحدة حاصلة بعد كون الموضوع هي الطبيعة لا الأفراد ، هذا.
وفيه : أنّ النسخ في الأحكام الشرعية إنّما هو بمعنى الدفع وبيان أمد الحكم ، لأنّ النسخ بمعنى رفع الحكم الثابت مستلزم للبداء المستحيل في حقه (سبحانه وتعالى) وقد ذكرنا غير مرة (١) أنّ الاهمال بحسب الواقع ومقام الثبوت غير معقول ، فامّا أن يجعل المولى حكمه بلا تقييد بزمان ويعتبره إلى الأبد ، وإمّا أن يجعله ممتداً إلى وقت معيّن ، وعليه فالشك في النسخ شك في سعة المجعول وضيقه من جهة احتمال اختصاصه بالموجودين في زمان الحضور. وكذا الكلام في أحكام الشرائع السابقة ، فانّ الشك في نسخها شك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى المعدومين لا شك في بقائه بعد العلم بثبوته ، فان احتمال البداء مستحيل في حقه تعالى ، فلا مجال حينئذ لجريان الاستصحاب.
وتوهم أنّ جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقية ينافي اختصاصها بالموجودين ، مدفوع بأن جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقية معناه عدم
__________________
(١) راجع على سبيل المثال محاضرات في اصول الفقه ١ : ٥٣٤.