لانقلاب النسبة بين العام والخاص المتأخر ، مع صدورهما من المولى في رتبة واحدة ، بل لا بدّ من تخصيص العام بكليهما ، كما هو واضح.
وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا كانت النسبة بين الخاصين العموم المطلق ، فهل يجب تخصيص العام بالأخص أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بين العام والخاص ، فتنقلب النسبة من العموم المطلق إلى العموم من وجه ، أو يخصص العام بكلا الخاصين؟
الظاهر هو الثاني ، إذ بعد فرض كون نسبة الخاصين إلى العام على حد سواء ، لا وجه لتخصيص العام بأحدهما أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بين العام والخاص الآخر. ولا منافاة بين الخاص والأخص حتى يتقيد الأوّل بالثاني.
فاذا ورد في رواية أنّه يجب إكرام العلماء ، وفي رواية اخرى أنّه لا يجوز إكرام العالم العاصي ، وفي رواية ثالثة أنّه لا يجوز إكرام العالم المرتكب للكبائر ، يخصص العام بكلا المخصصين ، ويحكم بحرمة إكرام خصوص العالم المرتكب للكبائر ، وحرمة إكرام العالم العاصي بقولٍ مطلق. ولا منافاة بين حرمة إكرام خصوص العالم المرتكب للكبائر وحرمة إكرام مطلق العالم العاصي حتى يقيّد العالم العاصي بالمرتكب للكبائر ، فان توهم المنافاة بينهما مبني على المفهوم ، وقد ذكرنا في محلّه (١) عدم حجية مفهوم الوصف واللقب.
وتوهم لغوية تخصيص العام بالأخص في عرض تخصيص العام بالخاص ـ فانّ تخصيص قوله يجب إكرام العلماء بقوله : لا يجوز إكرام العالم العاصي يغني عن تخصيصه بقوله : لا يجوز إكرام العالم المرتكب للكبائر ـ مدفوع بأ نّه يمكن أن يكون تخصيص العام بالأخص مع تخصيصه بالخاص لغرض من الأغراض ،
__________________
(١) لاحظ محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٢٧٨ ـ ٢٨١.