وفي عصركم من يهتدي إلى ما لم يهتدوا إليه؟ فأهوى له شخص له قحة وإقدام ، فقال : يا أبا جعفر ، فأرنا برهان ذلك ، ما أظنك تعني إلّا نفسك ، فقال : نعم ، ولم لا؟ وأنا الذي أقول ما لم يتنبّه (١) إليه متقدّم ، ولا يهتدي لمثله متأخّر : [السريع]
يا هل ترى أظرف من يومنا |
|
قلّد جيد الأفق طوق العقيق |
وأنطق الورق بعيدانها |
|
مرقصة كلّ قضيب وريق |
والشمس لا تشرب خمر الندى |
|
في الأرض إلّا بكؤوس الشقيق |
فلم ينصفوه في الاستحسان ، وردّوه في الغيظ إلى أضيق مكان ، فقلت له : يا سيدي ، هذا هو السحر الحلال ، فبالله إلّا ما زدتني (٢) من هذا النمط ، فقال : [الوافر]
أدرها فالسماء بدت عروسا |
|
مضمّخة الملابس بالغوالي |
وخدّ الروض حمّره أصيل |
|
وجفن النهر كحّل بالظّلال |
وجيد الغصن يشرق في لآل |
|
تضيء بهنّ أكناف الليالي |
فقلت : زد وعد ، فعاد والارتياح قد ملك عطفه ، والتّيه قد رفع أنفه ، فقال : [السريع]
لله نهر عندما زرته |
|
عاين طرفي منه سحرا حلال |
إذ أصبح الطّلّ به ليلة |
|
وجال فيه الغصن شبه الخيال (٣) |
فقلت : زد ، فأنشد : [الوافر]
ولمّا ماج بحر الليل بيني |
|
وبينكم وقد جدّدت ذكرا |
أراد لقاءكم إنسان عيني |
|
فمدّ له المنام عليه جسرا |
فقلت : إيه ، فقال : [الوافر]
ولمّا أن رأى إنسان عيني |
|
بصحن الخدّ منه غريق ماء |
أقام له العذار عليه جسرا |
|
كما مدّ الظلام على الضياء |
فقلت : أعد ، فأعاد ، وقال : حسبك لئلّا تكثر عليك المعاني ، فلا تقوم بحقّ قيمتها ، وأنشد : [الكامل]
__________________
(١) في ه : «ما لم ينته إليه متقدم».
(٢) في ه : «إلا ما زدتنا».
(٣) في ه : «إذ صبح الظل به ليلة».