بدعوة (١) المستنصر العبيدي ، فحظي عنده ، وبعثه رسولا إلى بغداد إلى القائم بأمر الله ، وتوفي باليمن بعد انصرافه من بغداد ، وابن الوقشي (٢) الطليطلي ، عارف بالهندسة والمنطق والزيوج ، وغيرهم ممّن يطول تعدادهم.
وكان الحافظ أبو الوليد هشام الوقشي من أعلم الناس بالهندسة وآراء الحكماء والنحو واللغة ومعاني الأشعار والعروض وصناعة الكتابة والفقه والشروط والفرائض وغيرها ، وهو كما قال الشاعر : [الوافر]
وكان من العلوم بحيث يقضى |
|
له في كلّ فنّ بالجميع |
ومن شعره قوله : [الكامل]
قد بيّنت فيه الطبيعة أنها |
|
بدقيق أعمال المهندس ماهره |
عنيت بمبسمه فخطّت فوقه |
|
بالمسك خطّا من محيط الدائره |
وعزم على ركوب البحر إلى الحجاز فهاله ذلك ، فقال : [السريع]
لا أركب البحر ولو أنني |
|
ضربت فيه بالعصا فانفلق (٣) |
ما إن رأت عيني أمواجه |
|
في فرق إلّا تناهى الفرق |
وكان الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن مهند (٤) مصنّف الأدوية المفردة آية الله تعالى في الطب وغيره ، حتى أنه عانى جميع ما في كتابه من الأدوية المفردة ، وعرف ترتيب قواها ودرجاتها ، وكان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن بالأغذية أو ما يقرب منها ، وإذا اضطرّ إلى الأدوية فلا يرى التداوي بالمركّبة ما وجد سبيلا إلى المفردة ، وإذا اضطرّ إلى المركّب لم يكثر التركيب ، بل يقتصر على أقل ما يمكنه ، وله غرائب مشهورة في الإبراء من الأمراض الصعبة والعلل المخوفة بأيسر علاج وأقربه.
ومنهم ابن البيطار (٥) ، وهو عبد الله بن أحمد المالقي الملقّب بضياء الدين ، وله عدّة
__________________
(١) في ه : «بدعوة معن المستنصر العبيدي».
(٢) كذا في أ، ب ، ه. وفي ج : «أبو الوقشي».
(٣) يشير بذلك إلى قصة موسى عليه السلام التي وردت في القرآن الكريم في أكثر من موضع وإلى معجزاته ومنها ضربه بعصاه البحر وانفلاقه كما جاء في سورة الشعراء ، الآية ٦٣ (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ).
(٤) في أ، ج ، ه : «شهيد» والتصويب من ابن أبي أصيبعة ج ٢ ص ٤٩.
(٥) انظر ابن أبي أصيبعة ج ٢ ص ١٣٣.