وأما التآليف (١) المقصّرة عن مراتب غيرها فلم نلتفت إلى ذكرها ، وهي عندنا من تأليف أهل بلدنا أكثر من أن نحيط بعلمها.
وأما علم الكلام فإن بلادنا وإن كانت لم تتجاذب فيها الخصوم ، ولا اختلفت فيها النحل ، فقلّ لذلك تصرّفهم في هذا الباب ، فهي على كل حال غير عريّة عنه ، وقد كان فيهم قوم يذهبون إلى الاعتزال ، نظار على أصوله ، ولهم فيه تآليف : منهم خليل بن إسحاق ، ويحيى بن السمينة ، والحاجب موسى بن حدير وأخوه الوزير صاحب المظالم أحمد ، وكان داعية إلى الاعتزال لا يستتر بذلك. ولنا على مذهبنا الذي تخيّرناه من مذاهب أصحاب الحديث (٢) كتاب في هذا المعنى ، وهو وإن كان صغير الجرم قليل عدد الورق يزيد على المائتين زيادة يسيرة فعظيم الفائدة لأنّا أسقطنا فيه المشاغب كلّها ، وأضربنا عن التطويل جملة ، واقتصرنا على البراهين المنتخبة من المقدّمات الصحاح الراجعة إلى شهادة الحسّ وبديهة العقل لها بالصحة. ولنا فيما تحقّقنا به تآليف جمّة (٣) ، منها ما قد تمّ ، ومنها ما شارف التمام ، ومنها ما قد مضى منه صدر ويعين الله تعالى على باقيه ، لم نقصد به قصد مباهاة فنذكرها ، ولا أردنا السمعة فنسمّيها ، والمراد بها ربّنا جلّ وجهه ، وهو ولي العون فيها ، والمليّ بالمجازاة عليها ، وما كان لله تعالى فسيبدو ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبلدنا هذا ـ على بعده من ينبوع العلم ، ونأيه من محلّة العلماء ـ فقد ذكرنا من تآليف أهله ما إن طلب مثلها بفارس والأهواز وديار مضر وديار ربيعة واليمن والشام أعوز وجود ذلك على قرب المسافة في هذه البلاد من العراق التي هي دار هجرة الفهم وذويه ومراد المعارف وأربابها.
ونحن إذا ذكرنا أبا الأجرب جعونة بن الصمّة الكلابي (٤) في الشعر لم نباه به إلّا جريرا والفرزدق ، لكونه في عصرهما ، ولو أنصف لاستشهد بشعره ، فهو جار على مذهب الأوائل ، لا على طريقة المحدثين ، وإذا سمّينا بقي بن مخلد لم نسابق به إلّا محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وسليمان بن الأشعث السجستاني وأحمد بن شعيب النسائي. وإذا ذكرنا قاسم بن محمد لم نباه به إلّا القفّال ومحمد بن عقيل الفريابي ، وهو
__________________
(١) في ب : «التواليف».
(٢) في ه : «من مذاهب أهل الحديث».
(٣) في ه : «تآليف جملة».
(٤) انظر ترجمته في الجذوة : ١٧٧ والمغرب ١ : ١٣١.