ملئت مسكا وعنبرا ، إن تنسّمتها فأرجة ، أو توسّمتها فبهجة : [البسيط]
فالأرض في بزّة من يانع الزّهر |
|
تزري إذا قستها بالوشي والحبر (١) |
قد أحكمتها أكفّ المزن واكفة |
|
وطرّزتها بما تهمي من الدّرر |
تبرّجت فسبت منّا العيون هوى |
|
وفتنة بعد طول السّتر والخفر |
فأوجد لي سبيلا إلى إعمال بصري فيها ، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها ، والفصل على أن يكمل أوانه ، ويتصرّم وقته وزمانه فلا تخلني من بعض التشفي منه ، لأصدر نفسي متيقّظة عنه ، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد ، ومن سعى في جلائها فهو الرشيد السديد.
ومن شعره يصف وردا بعث به إلى أبيه (٢) : [الكامل]
يا من تأزّر بالمكارم وارتدى |
|
بالمجد والفضل الرفيع الفائق |
انظر إلى خدّ الربيع مركّبا |
|
في وجه هذا المهرجان الرائق |
ورد تقدّم إذ تأخّر واغتدى |
|
في الحسن والإحسان أول سابق |
وافاك مشتملا بثوب حيائه |
|
خجلا لأن حيّاك آخر لاحق |
وله : [الطويل]
أتى الباقلاء الباقل اللون لابسا |
|
برود سماء من سحائبها غذي |
ترى نوره يلتاح في ورقاته |
|
كبلق جياد في جلال زمرّذ (٣) |
وقال : [المتقارب]
إذا ما أدرت كؤوس الهوى |
|
ففي شربها لست بالمرقل (٤) |
مدام تعتّق بالناظرين |
|
وتلك تعتّق بالأرجل |
وكان وهو ابن سبع عشرة سنة ينظم النظم الفائق ، وينثر النثر الرائق ، وأبو جعفر بن الأبّار هو الذي صقل مرآته ، وأقام قناته ، وأطلعه شهابا ثاقبا ، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا لاحبا (٥) ، وله كتاب سماه ب «البديع ، في فصل الربيع» جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصّة ،
__________________
(١) تزري : تغيب ، وتتهاون. والحبر : جمع حبرة ، وهي ثوب من الكتان أو القطن مخطط.
(٢) انظر الذخيرة ج ٢ ص ٥٠.
(٣) النّور : الزهر الأبيض. والزمرذ : الزمرد : حجر كريم شديد الخضرة.
(٤) أرقل : أشرع في سيره. والمرقل اسم فاعل من أرقل.
(٥) الطريق اللاحب : الطريق الواضح.