وفلكها ، مع اشتهار في اللغة والآداب ، وانخراط في سلك الشعراء والكتّاب ، وإبداع لما ألّف ، وانتهاض بما تكلّف ، ودخل على المنصور وبين يديه كتاب ابن السري وهو به كلف ، وعليه معتكف ، فخرج وعمل على مثاله كتابا سماه ربيعة وعقيل» جرّد له من ذهنه أيّ سيف صقيل ، وأتى به منتسخا مصوّرا في ذلك اليوم من الجمعة الأخرى ، وأبرزه والحسن يتبسّم عنه ويتفرّى (١) ، فسرّ به المنصور وأعجب ، ولم يغب عن بصره ساعة ولا حجب ، وكان له بعد هذه المدة حين أدجت الفتنة ليلها وأزجت إبلها وخيلها ، اغتراب كاغتراب الحارث بن مضاض ، واضطراب بين القواني والمواضي (٢) ، كالحيّة النضناض (٣) ، ثم اشتهر بعد ، وافترّ له السعد ، وفي تلك المدة يقول يتشوّق إلى أهله : [الطويل]
سقى بلدا أهلي به وأقاربي |
|
غواد بأثقال الحيا وروائح (٤) |
وهبّت عليهم بالعشي وبالضحى |
|
نواسم برد والظّلال فوائح |
تذكرتهم والنأي قد حال دونهم |
|
ولم أنس لكن أوقد القلب لافح (٥) |
وممّا شجاني هاتف فوق أيكة |
|
ينوح ولم يعلم بما هو نائح |
فقلت اتّئد يكفيك أني نازح |
|
وأنّ الذي أهواه عني نازح (٦) |
ولي صبية مثل الفراخ بقفرة |
|
مضى حاضناها فاطّحتها الطوائح (٧) |
إذا عصفت ريح أقامت رؤوسها |
|
فلم يلقها إلّا طيور بوارح |
فمن لصغار بعد فقد أبيهم |
|
سوى سانح في الدهر لو عنّ سانح |
واستوزره المستظهر عبد الرحمن بن هشام أيام الفتنة فلم يرض بالحال ، ولم يمض في ذلك الانتحال ، وتثاقل عن الحضور في كل وقت ، وتغافل في ترك الغرور بذلك المقت ، وكان المستظهر يستبدّ بأكثر تلك الأمور دونه ، وينفرد مغيّبا عنه شؤونه ، فكتب إليه : [الطويل]
إذا غبت لم أحضر وإن جئت لم أسل |
|
فسيّان منّي مشهد ومغيب |
__________________
(١) تفرّى الليل عن صبحه : انشقّ وبدا الصبح ، وفيه استعارة.
(٢) في ب : «بين القواني والمواضي». والقواني جمع قناة على غير القياس.
(٣) الحية النضناض التي تحرك لسانها ولا تستقر بمكان.
(٤) الغوادي : الغيوم. والحيا : المطر.
(٥) لافح : هنا النار.
(٦) اتئد : تمهّل. والنازح : البعيد.
(٧) كذا في أ، ب ، ه. وفي ج «متى خاضتا فيها طحتها الطوائح» وفي المطمح «حتى حضناها طوّحتها الطوائح».