الناصر جلس في جماعة من خواصه ومعهم أبو القاسم لب ، وكان يعدّه للمجون والتطايب ، فقال له : اهج عبد الملك بن جهور ، يعني أحد وزرائه ، فقال : أخافه ، فقال لعبد الملك : فاهجه أنت ، فقال : أخاف على عرضي منه ، فقال : أهجوه أنا وأنت ، ثم صنع : [السريع]
لبّ أبو القاسم ذو لحية |
|
طويلة أزرى بها الطول (١) |
فقال عبد الملك : [السريع]
وعرضها ميلان إن كسّرت |
|
والعقل مأفون ومخبول (٢) |
فقال الناصر للبّ : اهجه فقد هجاك ، فقال بديها : [السريع]
قال أمين الله في عصرنا |
|
لي لحية أزرى بها الطول |
وابن جهير قال قول الذي |
|
مأكله القرضيل والفول (٣) |
لو لا حيائي من إمام الهدى |
|
نخست بالمنخس شو ... |
ثم سكت ، فقال له الناصر : هات تمام البيت ، فامتنع ، فقال له «قولو» تمام البيت ، كلمة قالها الناصر مسترسلا غير متحفّظ من زيادة الواو وإبدال الهاء واوا ، إذ صوابها «قله» على حكم المشي مع الطبع والراحة من التكلّف ، فقال لب : يا مولانا ، أنت هجوته ، ففطن الناصر والحاضرون ، وضحكوا ، وأمر له بجائزة.
والقرضيل : شوك له ورق عريض تأكله البقر ، وقوله «شو» اسم لذكر الرجل بالرومية ، و «قولو» اسم للاست بها ، فكأنه قال : لو لا حيائي من إمام الهدى نخست بالمنخس ـ الذي هو الذّكر ـ استه.
وقال ابن ظافر (٤) : أخبرني من أثق به قال : اجتمع الوزير أبو بكر بن القبطرنة والأستاذ أبو العباس ابن صارة في يوم جلا ذهب برقه ، وأذاب ورق ودقه (٥) ، والأرض قد ضحكت لتعبيس السماء ، واهتزّت وربت عند نزول الماء ، فترافدا في صفتها ، فقال ابن صارة : [الكامل]
هذي البسيطة كاعب أبرادها |
|
حلل الربيع وحليها النوّار |
__________________
(١) في أ : «كبيرة في طولها ميل» وقد أثبتنا ما في ب ، ه.
(٢) في ج : «مأبون ومخبول». وفيه تحريف.
(٣) في ب ، ه : «مأكوله القرضيل والفول».
(٤) انظر البدائع ج ١ ص ١٨٦.
(٥) الودق : المطر.