فدع عنك ما لا حظّ فيه لعاقل |
|
فإنّ طريق الحق أبلج لا يخفى (١) |
وشحّ بأيام بقين قلائل |
|
وعمر قصير لا يدوم ولا يبقى |
ألم تر أنّ العمر يمضي مولّيا |
|
فجدّته تبلى ومدته تفنى |
نخوض ونلهو غفلة وجهالة |
|
وننشر أعمالا وأعمارنا تطوى |
|
||
تواصلنا فيه الحوادث بالردى |
|
وتنتابنا فيه النوائب بالبلوى |
عجبت لنفس تبصر الحقّ بيّنا |
|
لديها وتأبى أن تفارق ما تهوى |
وتسعى لما فيه عليها مضرّة |
|
وقد علمت أن سوف تجزى بما تسعى |
ذنوبي أخشاها ولست بآيس |
|
وربّي أهل أن يخاف وأن يرجى |
وإن كان ربي غافرا ذنب من يشا |
|
فإني لا أدري أأكرم أم أخزى |
وقال في المطمح : الفقيه الإمام العالم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر ، إمام الأندلس وعالمها ، الذي التاحت به معالمها (٢) ، صحّح المتن والسند ، وميّز المرسل من المسند ، وفرّق بين الموصل (٣) والقاطع ، وكسا الملّة منه نور ساطع ، حصر الرواة ، وأحصى الضعفاء منهم والثقات ، وجدّ في تصحيح السقيم ، وجدد منه ما كان كالكهف والرّقيم ، مع معاناة العلل (٤) ، وإرهاف ذلك العلل ، والتنبيه والتوقيف ، والإتقان والتثقيف ، وشرح المقفل ، واستدراك المغفل ، وله فنون هي للشريعة رتاج ، وفي مفرق الملّة تاج ، أشهرت للحديث ظبا ، وفرعت لمعرفته ربا ، وهبّت لتفهّمه شمال (٥) وصبا ، وشفت منه وصبا ، وكان ثقة ، والأنفس على تفضيله متّفقة ، وأما أدبه فلا تعبر لجّته ، ولا تدحض حجّته ، وله شعر لم نجد منه إلّا ما نفث به أنفة ، وأقصى فيه عن معرفة ، فمن ذلك قوله ـ وقد دخل إشبيلية فلم يلق فيها مبرّة ، ولم يلق (٦) من أهلها تهلل أسرّة ، فأقام بها حتى أخلقه مقامه ، وأطبقه اغتمامه ، فارتحل وقال : [الطويل]
تنكّر من كنّا نسرّ بقربه |
|
وعاد زغاقا بعدما كان سلسلا (٧) |
__________________
(١) أبلج : مشرق ، مضيء.
(٢) التاحت معالمها : تلألأت.
(٣) في ب ، ه : «الموصول».
(٤) في ب ، ه : «مع معلنات العلل».
(٥) في ه : «والمطمح : «شمالا وصبا» والشمال والصبا ريحان ناعمتان.
(٦) في ه : «ولم ير».
(٧) في ب : «وعاد زعافا» وفي ه : «وصار زعافا».