والرمادي المذكور عرّف به غير واحد ، منهم الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتابه «جذوة المقتبس» وقال (١) : أظن أن أحد آبائه كان من أهل الرمادة وهي موضع بالمغرب ، وهو قرطبي ، كثير الشعر ، سريع القول ، مشهور عند الخاصّة والعامة هنالك ، لسلوكه في فنون من المنظوم والمنثور مسالك ، حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون : فتح الشعر بكندة ، وختم بكندة ، يعنون امرأ القيس والمتنبي ويوسف بن هارون ، على أنّ في كون المتنبي من كندة القبيلة كلاما مشهورا (٢).
وأخذ أبو عمر بن عبد البر عن الرمادي هذا قطعة من شعره ، وضمّنها بعض تأليفه.
قال ابن حيان : توفي الرمادي سنة ٤٠٣ (٣) ، وذكر ابن سعيد في «المغرب» أن الرمادي اكتسب صناعة الأدب من شيخه أبي بكر يحيى بن هذيل الكفيف عالم أدباء الأندلس ، وهو القائل رحمه الله تعالى : [الخفيف]
لا تلمني على الوقوف بدار |
|
أهلها صيّروا السقام ضجيعي |
جعلوا لي إلى هواهم سبيلا |
|
ثم سدّوا عليّ باب الرجوع |
وروى الرمادي عن أبي عليّ كتاب «النوادر» ومدح أبا علي بقصيدة كما أشرنا إليه في غير هذا الموضع.
وقال في المطمح (٤) : إنه شاعر مفلق ، انفرج له من الصناعة المغلق ، وومض له برقها المؤتلق. وسال بها طبعه كالماء المندفق ، فأجمع على تفضيله المختلف والمتّفق ، فتارة يحزن وأخرى يسهل ، وفي كلتاهما (٥) بالبديع يعلّ وينهل ، فاشتهر عند الخاصّة والعامّة بانطباعه في الفريقين ، وإبداعه في الطريقين ، وكان هو وأبو الطيب متعاصرين ، وعلى الصناعة متغايرين ، وكلاهما من كندة ، وما منها إلّا من اقتدح في الإحسان زنده ، وتمادى بأبي عمر (٦) ، طلق العمر ، حتى أفرده صاحبه ونديمه ، وهريق شبابه واستشن أديمه ، ففارق تلك الأيام وبهجتها ، وأدرك الفتنة فخاض لجّتها ، وأقام فرقا (٧) من هيجانها شرقا بأشجانها ، ولحقته فيها فاقة
__________________
(١) انظر الجذوة ص ٣٤٦.
(٢) وخلاصة ذلك أن المتنبي نسب إلى كندة ـ حي من أحياء الوكوفة ـ لا إلى قبيلة كندة.
(٣) في ه : «سنة ٤١٣».
(٤) انظر المطمح ص ٦٩.
(٥) في ب : «وفى كلتيهما».
(٦) في ج : «بأبي عمرو».
(٧) فرقا من هيجانها : خوفا من هيجانها.