تركت قلبي وأشواقي تفطّره |
|
ودمع عيني وأحداقي تحدّره |
لو كنت تبصر في تدمير حالتنا |
|
إذن لأشفقت مما كنت تبصره |
فالعين دونك لا تحلى بلذّتها |
|
والدّهر بعدك لا يصفو تكدّره |
أخفي اشتياقي وما أطويه من أسف |
|
عن البرية والأنفاس تظهره |
قال في المطمح : هو شاعر مادح ، وعلى أيك الندى صادح ، لم ينطقه إلّا معن أو صمادح ، فلم يرم مثواهما (١) ، ولم ينتجع سواهما ، واقتصر على المرية ، واختصر قطع المهامه وخوض البرّيّة (٢) ، فعكف فيها ينثر درره في ذلك المنتدى ، ويرشف أبدا ثغور ذلك النّدى ، مع تميّزه بالعلم ، وتحيّزه إلى فئة الوقار والحلم ، وانتمائه إلى آية سلف ، ومذهبه مذاهب أهل الشّرف ، وكان له لسن ورواء (٣) يشهدان له بالنباهة ، ويقلّدان كاهله ما شاء من الوجاهة ، وقد أثبتّ له بعض ما قذفه من درره ، وفاه به من محاسن غرره ؛ فمن ذلك قوله : [الطويل]
إلى الموت رجعى بعد حين فإن أمت |
|
فقد خلّدت خلد الزمان مناقبي |
وذكراي في الآفاق طيبا كأنها |
|
بكلّ لسان طيب عذراء كاعب (٤) |
ففي أيّ علم لم تبرّز سوابقي |
|
وفي أيّ فنّ لم تبرّز كتائبي |
وحضر مجلس المعتصم بحضور ابن اللبّانة فأنشد فيه قصيدا أبرز به من عرا الإحسان ما لم ينفصم واستمرّ فيها يكمل (٥) بدائعها وقوافيها ، فإذا هو قد أغار على قصيد ابن الحداد الذي أوّله : [الكامل]
عج بالحمى حيث الظّباء العين (٦)
فقال ابن الحداد مرتجلا : [الكامل]
حاشا لعدلك يا ابن معن أن يرى |
|
في سلك غيري درّي المكنون |
وإليكها تشكو استلاب مطيّها : |
|
عج بالحمى حيث الظّباء العين |
__________________
(١) رام المكان يريمه : أقام به وثبت.
(٢) المهامه : جمع مهمه ، وهي الصحراء الواسعة التي لا ماء فيها. والبرية : الصحراء.
(٣) الرواء : حسن المنظر.
(٤) في ب ، ه : «وذكري في الآفاق طار كأنه».
والكاعب : الفتاة كعب ثدياها.
(٥) في ب ، ه : «يستكمل بدائعها».
(٦) في المطمح «حيث الخماص العين».