واعلم أننا (١) إن تتبّعنا كلام الأندلسيين وحكاياتهم الدالّة على سبقهم طال بنا الكتاب ، ولم نستوف المراد ، فرأينا أن نذكر بعضا من ذلك بحسب ما اقتضاه الحال وأبداه ، ليكون عنوانا دالا على ما عداه : [البسيط]
يكفي من الحلي ما قد حفّ بالعنق
ولنبدأ ما نسوقه من أخبار الأندلسيين وأشعارهم وحكاياتهم في الجدّ والهزل ، والتولية والعزل ، بقول الفقيه الزاهد أبي عمران موسى بن عمران المارتلي (٢) ، وكان سكن إشبيلية : [البسيط]
لا تبك ثوبك إن أبليت جدّته |
|
وابك الذي أبلت الأيام من بدنك |
ولا تكوننّ مختالا بجدّته |
|
فربما كان هذا الثوب من كفنك (٣) |
ولا تعفه إذا أبصرته دنسا |
|
فإنما اكتسب الأوساخ من درنك (٤) |
وقال أبو عمرو اليحصبي اللوشي : [الخفيف]
شرّد النوم عن جفونك وانظر |
|
حكمة توقظ النفوس النياما |
فحرام على امرئ لم يشاهد |
|
حكمة الله أن يذوق المناما |
وقال أيضا : [الرمل]
ليس للمرء اختيار في الذي |
|
يتمنّى من حراك وسكون |
إنما الأمر لربّ واحد |
|
إن يشأ قال له : كن فيكون |
وقال أبو وهب القرطبي : [الوافر]
تنام وقد أعدّ لك السهاد |
|
وتوقن بالرحيل وليس زاد |
وتصبح مثل ما تمسي مضيعا |
|
كأنك لست تدري ما المراد |
أتطمع أن تفوز غدا هنيئا |
|
ولم يك منك في الدنيا اجتهاد |
إذا فرّطت في تقديم زرع |
|
فكيف يكون من عدم حصاد |
__________________
(١) في ب ، ه «وأعلم أنّا إن تتبعنا ..».
(٢) انظر المغرب ج ١ ص ٤٠٦.
(٣) في ه : «فربّما كان ذاك الثوب من كفنك».
(٤) في ه : «فإنما اكتسب الأوساخ من بدنك». والدرن : الوسخ.