حظّ ، والمسؤول عن التخليط فيه هو السلطان ، كما قال عبد الله بن مسعود «لك المهنأ وعليه المأثم ، ما لم تعلم الشيء بعينه حراما» ، ومعنى قول ابن مسعود هذا قد أجمع العلماء عليه ، فمن علم الشيء بعينه حراما مأخوذا من غير حلّه كالجريمة (١) وغيرها وشبهها من الطعام أو الدابة وما كان مثل ذلك كلّه من الأشياء المتعيّنة غصبا أو سرقة أو مأخوذة بظلم بيّن لا شبهة فيه فهذا الذي لم يختلف أحد في تحريمه ، وسقوط عدالة آكله ، وأخذه وتملّكه ، وما أعلم من علماء التابعين أحدا تورّع عن جوائز السلطان ، إلّا سعيد بن المسيّب بالمدينة ، ومحمد بن سيرين بالبصرة ، وهما قد ذهبا مثلا في التورّع ، وسلك سبيلهما في ذلك أحمد بن حنبل وأهل الزهد والورع والتقشّف ، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين! والزهد في الدنيا من أفضل الفضائل ، ولا يحلّ لمن وفّقه الله تعالى وزهد فيها أن يحرّم ما أباح الله تعالى منها ، والعجب من أهل زماننا يعيبون الشبهات ، وهم يستحلّون المحرّمات ، ومثالهم عندي كالذين سألوا عبد الله بن عمر ، رضي الله تعالى عنهما ، عن المحرم يقتل الفراد والحلمة ، فقال للسائلين له : من أنتم؟ فقالوا : من أهل الكوفة ، فقال : تسألونني عن هذا وأنتم قتلتم الحسين بن علي ، رضي الله تعالى عنهما؟ وروي ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أتاك من غير مسألة فكله وتموّله» ، وروي هذا الحديث أيضا عن عبد الله بن عمر ، رضي الله تعالى عنهما «ما أتاك من غير مسألة فكله وتموّله» ، وروى أبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم معناه ، وفي حديث أحدهما «إنما هو رزق رزقكه الله تعالى» ، وفي لفظ بعض الرواة «ولا تردّ على الله رزقه» وهذا كله مركب (٢) مبني على ما أجمعوا عليه ، وهو الحقّ ، فمن عرف الشيء المحرّم بعينه فإنه لا يحلّ له ، المسألة (٣) من كلام ابن عبد البرّ ، انتهى.
وحضر ابن مجبر (٤) مع عدوّ له جاحد لمعروفه ، وأمامهما زجاجة سوداء فيها خمر ، فقال له الحسود : إن كنت شاعرا فقل في هذه ، فقال ارتجالا :
«سأشكو إلى الندمان» إلى آخر الحكاية.
وقد تقدّمت في رسالة الشقندي (٥) رحمه الله تعالى.
__________________
(١) في ه : «كالحريمة» بالحاء المهملة ، وقد أثبتنا ما في أ، ب ، ج.
(٢) كلمة «مركب» غير موجودة في ج.
(٣) في ب : «فهذه المسألة».
(٤) في أ«ابن مجير».
(٥) انظر ص (١٦٠) من هذا الجزء.