وابرد فؤاد المستهام بنظرة |
|
وأعد عليه العيش من رؤياكا |
واشف الغداة غليل صبّ هائم |
|
أضحى مناه من الحياة مناكا |
فسعادتي بالعادل الملك الذي |
|
ملك الملوك وقارن الأفلاكا |
فبقيت لي يا مالكي في غبطة |
|
وجعلت من كلّ الأمور فداكا |
فلمّا تلا الصاحب على الحاضرين محكم آياتها ، وجلا منها العروس التي حازت من المحاسن أبعد غاياتها ، أخذ الناس في الاستحسان لغريب نظامها ، وتناسق التئامها ، والثناء على الخاطر الذي نظم بديع أبياتها ، وأطلع من مشرق فكره آياتها ، فقال السلطان : نريد من يجيبه عنّا بأبيات على قافيتها ، فالتفت مسرعا إليّ وأنا عن يمينه ، وقال : يا مولانا ، مملوكك فلان هو فارس هذا الميدان ، والمعتاد للتخلّص من مضايق هذا الشان ، ثم قطع وصلا من درج كان بين يديه ، وألقاه إليّ ، وعمد إلى دواته فأدارها بين يديّ ، فقال له السلطان : أهكذا على مثل هذا الحال؟ وفي مثل هذا الوقت؟ فقال : نعم ، أنا قد جرّبته فوجدته متّقد الخاطر ، حاضر الذهن ، سريع إجابة الفكر ، فقال السلطان : وعلى كل حال قم إلى هنا لتنكفّ عنك أبصار الناظرين ، وتنقطع عنك ضوضاء الحاضرين ، وأشار إلى مكان عن يمين البيت الخشب الذي هو بالجلوس فيه منفرد ، فقمت وقد فقدت رجلي انخذالا ، وذهني اختلالا ، لهيبة المجلس في صدري ، وكثرة من حضره من المترقّبين لي ، المنتظرين حلول فاقرة الشماتة بي (١) ، فما هو إلّا أن جلست حتى ثاب إليّ خاطري (٢) ، وانثال الكلام على سرائري (٣) ، فكنت أتوهّم أنّ فكري كالبازي الصّيود لا يرى كلمة إلّا أنشب فيها منسره ، ولا معنى إلّا شكّ فيه ظفره ، فقلت في أسرع وقت : [الكامل]
وصلت من الملك المعظّم تحفة |
|
ملأت بفاخر درّها الأسلاكا |
أبيات شعر كالنجوم جلالة |
|
فلذا حكت أوراقها الأفلاكا (٤) |
عجبا وقد جاءت كمثل الروض إذ |
|
لم تذوها بالحرّ نار ذكاكا |
جلت الهموم عن الفؤاد كمثل ما |
|
تجلو بغرّة وجهك الأحلاكا |
كقميص يوسف إذ شفت يعقوب ري |
|
ياه شفتني مثله ريّاكا |
قد أعجزت شعراء هذا العصر كل |
|
لهم فلم لا تعجز الأملاكا |
__________________
(١) الفاقرة : الداهية التي تكسر فقار الظهر.
(٢) ثاب إليّ خاطري : رجع.
(٣) في البدائع «وانثال الشعر على ضمائري».
(٤) حكت : شابهت.