ما كان هذا الفضل يمكن مثله |
|
أن يحتويه من الأنام سواكا |
لم لا أغيب عن الشآم وهل له |
|
من حاجة عندي وأنت هناكا |
أم كيف أخشى والبلاد جميعها |
|
محميّة في جاه طعن قناكا (١) |
يكفي الأعادي حرّ بأسك فيهم |
|
أضعاف ما يكفي الوليّ نداكا |
ما زرت مصر لغير ضبط ثغورها |
|
فلذا صبرت فديت عن رؤياكا |
أمّ البلاد علا عليها قدرها |
|
لا سيما مذ شرّفت بخطاكا |
طابت وحقّ لها ولم لا وهي قد |
|
حوت المعلّى في القداح أخاكا |
أنا كالسحاب أزور أرضا ساقيا |
|
حينا وأمنح غيرها سقياكا |
مكثي جهاد للعدوّ لأنني |
|
أغزوه بالرأي السديد دراكا |
لو لا الرباط وغيره لقصدت بال |
|
سّير الحثيث إليك نيل رضاكا |
ولئن أتيت إلى الشآم فإنما |
|
يحتثّني شوق إلى لقياكا |
إني لأمنحك المحبة جاهدا |
|
وهواي فيما تشتهيه هواكا |
فافخر فقد أصبحت بي وببأسك ال |
|
حامي وكلّ مملّك يخشاكا |
لا زلت تقهر من يعادي ملكنا |
|
أبدا ، ومن عاداك كان فداكا |
وأعيش أبصر ابنك الباقي أبا |
|
وتعيش تخدم في السعود أباكا |
ثم عدت إلى مكاني وقد بيّضتها ، وحليت بزهرها ساحة القرطاس وروّضتها ، فلمّا رآني السلطان قد عدت قال لي : هل عملت شيئا (٢)؟ ظنّا منه أنّ العمل في تلك اللمحة القريبة معجز متعذّر ، وبلوغ الغرض فيها غير متصوّر ، فقلت : قد أجبت ، فقال : أنشدنا (٣) ، فصمت الناس ، وحدّقت الأبصار ، وأصاخت الأسماع ، وظنّ الناس بي الظنون ، وترقّبوا مني ما يكون ، فما هو إلّا أن توالى الإنشاد لأبياتها حتى صفقت الأيدي إعجابا ، وتغامزت الأعين استغرابا ، وحين انتهيت إلى ذكر مولانا الملك الكامل ، بأنه المعلّى في البنين إذا ضربت قداحهم (٤) ، وسردت أمداحهم ، اغرورقت عيناه دمعا لذكره (٥) ، وأبان صمته مخفي المحبّة حتى أعلن بسرّه ، وحين انتهيت إلى آخرها فاض دمعه ، ولم يمكنه دفعه ، فمدّ يده مستدعيا للورقة ، فناولتها إلى يد
__________________
(١) القنا : الرمح الأجوف.
(٢) في ه : «قال : هل عملت شيئا؟».
(٣) في ه : «فقال : أنشد».
(٤) في ه : «إذا ضربت أقداحهم».
(٥) اغرورقت عيناه دمعا : امتلأت عيناه بالدمع.