فكيف يخالف نفسه هنا ويبني عليه الأحكام بأي تعسف وتكلف في المقام لا يخفى بعد ما حققناه على ذوي الألباب والافهام ، وبالجملة فإن مناقضة بعضهم بعضا بل الواحد نفسه في هذه الإجماعات ولا سيما الشيخ والمرتضى اللذين هما الأصل في الإجماع قد كفانا مؤنة القدح فيه ، وقد كان عندي رسالة لشيخنا الشهيد الثاني قد تصدى فيها لنقل جملة من المسائل التي ناقض الشيخ بها نفسه بدعواه الإجماع على الحكم في موضع ثم يدعيه على خلافه في موضع آخر وفيها ما ينيف على سبعين مسألة. والحق ان هذه الإجماعات المتناقلة لا تخرج عن مجرد الشهرة كما حققه شيخنا الشهيد في صدر الذكرى واليه أشار المحقق الشيخ حسن في كلامه المتقدم الذي أشرنا اليه.
و (اما ثانيا) ـ فإنه أي مانع عقلي أو شرعي يمنع من الفتوى في المسألة إذا قام الدليل على ذلك وان لم يقل به قائل من السابقين؟ واشتراط القول بوجود قائل من المتقدمين وان قال به شذوذ منا إلا ان المحققين على خلافه ، كيف ولو اشترط ذلك لم تتسع دائرة الخلاف في المسائل والأحكام ولا انتشر فيها النزاع والخصام الى ما عليه الآن من الاختلاف حتى انك لا تجد حكما من الأحكام إلا وقد تعددت فيه أقوالهم إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة فزائدا وهي تتجدد بتجدد العلماء لانحصار الفتوى في الشيخ في زمنه ، وقد نقل بعض الأصحاب انحصار الفتوى فيه (قدسسره) وانه لم يبق بعده إلا ناقل أو حاك حتى انتهت النوبة الى ابن إدريس ففتح باب الطعن على الشيخ والمخالفة له في كثير من المسائل ثم اتسع الباب شيئا فشيئا وانتشر الخلاف الى ما ترى ، على انه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ وهو القدوة لكل داخل في هذا الباب وسالك ـ بأنه متى قام الدليل للفقيه على حكم في مسألة من المسائل جاز له الإفتاء فيها بما قام الدليل عليه عنده وان ادعى فيه الإجماع قبله فضلا عن انه لم يقل بها قائل من المتقدمين ، قال (قدسسره) في الكتاب المشار إليه في مسألة ما لو اوصى له بأبيه بعد الطعن في الإجماع ـ ونعم ما قال ـ ما هذه صورته : «وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره