من عدل عن المشهور هنا. واما عبارة ابن الجنيد فظاهرها القول بطهارة أهل الكتاب وله في بحث الأسآر عبارة أخرى تقرب من هذه حكيناها هناك. وقد تحرر من هذا ان نجاسة من عدا أهل الكتاب ليست موضع خلاف بين الأصحاب معروف بل كلام المحقق يصرح بالوفاق كما رأيت ، واما أهل الكتاب فابن الجنيد يرى طهارتهم على كراهية والمفيد في أحد قوليه يوافقه على ذلك في اليهود والنصارى منهم على ما حكاه عنه المحقق ، والباقون ممن وصل إلينا كلامه على نجاستهم. انتهى ما ذكره في المعالم في المقام وهو جيد ، وانما أطلنا بنقله بطوله لعظم نفعه وجودة محصوله.
أقول : الظاهر ان من ادعى الإجماع من أصحابنا في هذه المسألة على النجاسة بنى على رجوع المفيد باعتبار تصريحه فيما عدا الرسالة المذكورة من كتبه بالنجاسة وعدم الاعتداد بخلاف ابن الجنيد لما شنعوا عليه به من عمله بالقياس إلا انه نقل القول بذلك في باب الأسآر عن ابن ابي عقيل (قدسسره) ثم العجب ان الشيخ (قدسسره) في التهذيب نقل إجماع المسلمين على نجاسة الكفار مطلقا مع مخالفة الجمهور في ذلك (١) حتى ان المرتضى (رضياللهعنه) جعل القول بالنجاسة من متفردات الإمامية.
وكيف كان فالواجب الرجوع الى الأدلة في المسألة وبيان ما هو الظاهر منها فنقول احتج القائلون بالنجاسة بالآية والروايات ، اما الآية فهي قوله عزوجل : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» (٢) وأورد عليه (أولا) ـ ان
__________________
(١) في المغني ج ١ ص ٤٩ «الآدمي طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم» وفي عمدة القارئ للعيني الحنفي ج ٢ ص ٦٠ «الآدمي الحي ليس بنجس العين ولا فرق بين الرجال والنساء» وفي المحلى لابن حزم ج ١ ص ١٨٣ «الصوف والوبر والقرن والسن من المؤمن طاهر ومن الكافر نجس» ونسب الشوكانى في نيل الأوطار نجاسة الكافر الى مالك ، وأغرب القرطبي في نسبة نجاسة الكافر إلى الشافعي.
(٢) سورة التوبة ، الآية ٢٨.