و (اما ثانيا) ـ فان ما ذكره في المدارك من الاستناد إلى مطابقة الأصل غير متأصل إذ الظاهر ان مراده من هذا الأصل هنا هو أصالة براءة الذمة من وجوب الإزالة ، وهو مردود بما عرفت من استفاضة النصوص بنجاسة الدم ووجوب إزالته في الصلاة قليلا كان أو كثيرا خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي وهو ما يوجب الخروج عن هذا الأصل.
و (اما ثالثا) ـ فان ما ذكره من خبر الحمصة وتأوله به من ان المراد بالحمصة قدرها وزنا لا سعة مدخول بأنه يمكن ان يلطخ بقدر الحمصة وزنا من الدم تمام الثوب ، وحينئذ لا معنى لقوله «وهو يقرب من سعة الدرهم» فانا لا ندري أي شيء أراد بهذا القرب والحال كما ذكرنا ، والظاهر من الرواية المذكورة انما هو قدرها في السعة وانه لا يعفى عنه وانما يعفى عما دونه ، فالرواية بالدلالة على خلاف ما يدعونه أشبه.
وربما أشعرت الرواية بعدم نجاسة هذا المقدار اليسير من الدم كما هو ظاهر عبارة الصدوق في الفقيه حيث قال : «وان كان الدم دون حمصة فلا يغسل» ويؤيده أيضا ما في رواية الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (١) حيث «سأله عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال لا وان كثر ولا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله». والتقريب ان المتفرق من الرعاف غالبا انما يكون أقل من الحمصة فلو كان نجسا لكان النضح انما يزيده نجاسة ، ولكن لا أعلم قائلا بذلك إلا ما يظهر من إطلاق عبارة ابن الجنيد المتقدمة في صدر المسألة الأولى.
هذا ما اقتضاه البحث بحسب النظر الى الدليل وان كان الاحتياط فيما ذهبوا اليه سيما مع ظاهر اتفاقهم على ذلك ولا اعرف لهم دليلا سواه.
واما ما تضمنه كتاب الفقه كما قدمنا في عبارته من نفي البأس عن قدر الحمصة من الدم فمشكل والصدوق (قدسسره) مع أخذ عبارته في الفقيه من عبارة الكتاب
__________________
(١) المروية في الوسائل في الباب ٢٠ من النجاسات.