والظاهر ان من اعتبر القطع واليقين كما تقدم نقله عن ابن البراج حمل العلم هنا على ذلك كما هو اصطلاح أهل المعقول ، ولهذا نقل عنه الاحتجاج على ما ذهب إليه بأن الطهارة معلومة بالأصل وشهادة الشاهدين لا تفيد إلا الظن فلا يترك لأجله المعلوم. ومن اعتبر الظن الشرعي مطلقا كأبي الصلاح حمل العلم هنا على ما هو أعم من اليقين والظن مطلقا ولهذا نقل عنه الاحتجاج على ما ذهب إليه بأن الشرعيات كلها ظنية وان العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل. ومن اعتبر الظن المستند الى سبب شرعي حمل العلم على ما هو أعم من اليقين أو العلم الشرعي ، ويقرب منه القول الرابع كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد أجاب في المعالم عن حجة ابن البراج بأن شهادة العدلين في معنى العلم شرعا ، وبان معلومية الطهارة بالأصل ان أراد بها تيقن عدم عروض منجس فهو ممنوع وان أراد حكم الشارع بالطهارة قطعا استنادا الى الأصل فكذلك شهادة الشاهدين. انتهى.
أقول : وتحقيق ذلك بوجه أوضح وبيان أفصح هو ان يقال : (أولا) ـ ان اشتراطه اليقين والعلم في الحكم بالنجاسة ان كان مخصوصا بالنجاسة دون ما عداها من الطهارة والحلية والحرمة فهو تحكم محض ، وان كان الحكم في الجميع واحدا فيقين الطهارة الذي اعتمده ليس إلا عبارة عن عدم العلم بملاقاة النجاسة وهو أعم من العلم بالعدم ومثله يقين الحلية. و (ثانيا) ـ انه قد روى الشيخان الكليني والطوسي في الكافي والتهذيب بسنديهما عن الصادق (عليهالسلام) في الجبن (١) قال : «كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك ان فيه ميتة». ورؤيا ايضا بسنديهما عنه (عليهالسلام) (٢) «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، الى ان قال والأشياء
__________________
(١) رواه في الوسائل في الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة.
(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به.