فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) القول بالطهارة على كراهية ، ونقل عن ابن الجنيد والشيخ في النهاية القول بالنجاسة فيهما ، قال الشيخ في المبسوط : ما يكره لحمه يكره بوله وروثه مثل البغال والحمير والدواب وان كان بعضه أشد كراهة من بعض ، وفي أصحابنا من قال بول البغال والحمير والدواب وأرواثها نجس يجب إزالة قليله وكثيره. والمستفاد من الأخبار الصحيحة الصريحة ـ كما ستمر بك ان شاء الله تعالى ـ هو القول الثاني لكن بالنسبة إلى الأبوال دون الأرواث. ولا يخفى على من راجع كتب الأصحاب كالمعتبر والمنتهى ونحوهما من الكتب المبسوطة في الاستدلال ما وقع لهم في هذه المسألة من المجازفة وعدم إعطاء المسألة حقها من التحقيق كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ، وظاهر صاحب المدارك هنا التوقف مع اعترافه بصحة الروايات الدالة على النجاسة وصراحتها وعدم صلاحية المعارض للمعارضة رعاية لشهرة القول بالطهارة بين الأصحاب مع انه في شرحه في غير موضع انما يدور مدار الروايات الصحيحة وان استلزم مخالفة الأصحاب كما لا يخفى على من له انس بطريقته في ذلك الكتاب. هذا وممن اختار ما اخترناه المحقق الأردبيلي كما ذكره في المدارك وكنى عنه بشيخنا المعاصر وبه صرح ايضا الفاضل المحقق الشيخ جواد الكاظمي في شرحه على الدروس وشيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني.
وها انا اذكر أدلة القول المختار عندي ثم أعطف الكلام على نقل أدلة القول المشهور وأبين ما فيها من الوهن والقصور فأقول وبالله سبحانه الاستعانة لبلوغ المأمول :
من الأخبار الدالة على النجاسة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال يغسل بول الحمار والفرس والبغل فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله». وفي الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أبوال الخيل والبغال؟ قال اغسل ما أصابك منه». وفي الحسن عن محمد بن مسلم
__________________
(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٩ من أبواب النجاسات.