(قلنا) فيه (أولا) انه قد تقرر في كلامهم وعليه دلت الأخبار ايضا حمل أفعال المسلمين على الصحة وان الفعل متى احتمل الصحة والبطلان فإنه يحمل على الوجه المصحح حتى يظهر دليل البطلان ، وهذا أصل عندهم قد بنوا عليه أحكاما عديدة في العبادات والمعاملات كما لا يخفى على المتدرب ، وحينئذ فنقول لما ثبت صحة الصلاة في النجاسة جهلا فعلى تقدير القول ببطلان الصلاة نسيانا فمقتضى القاعدة المذكورة في هذه النجاسة المرئية المحتملة لكونها مجهولة أو منسية الحمل على الوجه الصحيح إذ الأصل هو الصحة ، والناس في سعة مما لم يعلموا (١) فلا يكون مجرد الرؤية موجبا للحكم ببطلان الصلاة.
و (ثانيا) ـ ان مقتضى إطلاق صحيحة محمد بن مسلم الدالة على المنع من الاعلام بالنجاسة شمول الجهل والنسيان ولعل وجهه ان الناسي في حال نسيانه كالجاهل في حال جهله غير مخاطب بما أخل به فتكون صلاته صحيحة على التقديرين. والله العالم.
(الرابع) ـ ربما دلت الروايات المتقدمة من حيث الدلالة على كراهة الاخبار بالنجاسة على انه يجوز للإنسان إذا كان عنده طعام نجس ان يبيعه ممن لا يعلم بالنجاسة أو يطعمه إياه وانه لا اثم عليه ولا حرج سيما رواية عبد الله بن بكير الدالة على جواز اعارة الثوب الذي لا يصلى فيه من حيث النجاسة لمن يصلي فيه من غير ان يعلمه (٢) والتقريب فيها انه ان لم يكن أمر الصلاة أشد والمنع فيها آكد فلا يكون أقل من الأكل أو البيع ، ويؤيد ذلك ما قدمنا من انه طاهر في نظر المشتري والأكل والطهارة والنجاسة ليست منوطة بالواقع وانما هي منوطة بعلم المكلف وعدمه وهذا المفروض وان كان نجسا بالنسبة إلى المالك إلا انه طاهر بالنسبة إلى الآخر.
والقول بذلك لا يخلو من قوة إلا ان ظواهر جملة من الاخبار تدفعه مثل صحيحة
__________________
(١) لم نجد في كتب الحديث خبرا بهذا اللفظ وقد ورد في حديث السفرة (هم في سعة حتى يعلموا» وقد رواه في الوسائل في الباب ٥٠ من النجاسات و ٣٨ من الذبائح و ٢٣ من اللقطة ، وقد تقدم الحديث في التعليقة ٢ ص ٤٣ ج ١.
(٢) ص ٢٦١.