وعلى هذا فمن قال : إنه جوهر بمعنى أنه موجود لا فى موضوع ، والموضع (١) هو المحل المتقوم بذاته المقوم (٢) لما يحل (٢) فيه كما قاله الفلاسفة ، أو (٣) أنه (٣) جوهر بمعنى أنه قائم بنفسه غير مفتقر فى وجوده إلى غيره كما قاله [أبو الحسين البصرى (٤)] مع اعترافه أنه لا يثبت له أحكام الجواهر ؛ فقد وافق فى المعنى ، وأخطأ فى الإطلاق من حيث أنه لم ينقل عن العرب إطلاق الجوهر بإزاء (٥) القائم بنفسه ، ولا ورد فيه إذن من الشارع.
فإن قيل : لا خفاء فى إطلاق اسم الجوهر على الجواهر الحادثة ، وانها مختصة بهذا الاسم عن جميع أجناس الأعراض ، ولا شك أن بين الجواهر والأعراض اتفاقا وافتراقا ، وليس مدلول اسم الجوهر ما به الاتفاق ، وإلا لسميت الأعراض جواهر.
فلم يبق إلا أن يكون المدلول ما به الافتراق ، وما به مفارقة الجواهر للأعراض ، إنما هو قيامها بنفسها ، أو أنها موجودة لا فى موضوع. وهذا المعنى متحقق فى حق الله ـ تعالى ـ فصح تسميته جوهرا ، بالنظر إلى تحقيق موضوع الاسم لغة.
فنقول : من أصحابنا من منع كون الجواهر الحادثة قائمة بأنفسها. وهو اختيار أبى إسحاق الأسفرايينى مصيرا منهم. إلى أن القائم بنفسه هو الغنى المطلق عن الافتقار إلى الغير مطلقا ، وهو على وفق إشعار اللغة ؛ فإنهم يعبرون بالقائم بنفسه عمن يقدّرونه مستبدا بنفسه غير محتاج إلى الأعوان ، والأنصار ؛ والجواهر ليست كذلك ؛ فإنها مفتقرة فى حدوثها إلى المحدث ، وفى استمرارها إلى استمرار البقاء وبعض الأعراض.
وعلى هذا فقد امتنع أن يكون مناط اسم الجوهر هو القيام (٦) بالنفس.
ثم وإن سلمنا أن الجوهر الحادث قائم بنفسه ؛ فلا نسلم أنه لا امتياز للجواهر عن الأعراض إلا به ؛ فإنها متميزة بكونها متحيزة بذاتها ، وأنها محل الأعراض. فلعل مناط اسم الجوهر هذا ؛ وهو غير متحقق فى الإله ـ تعالى ـ
__________________
(١) فى ب (والموضوع).
(٢) فى ب (لما لا يحل).
(٣) فى ب (وأنه).
(٤) فى أ (النصارى).
(٥) فى ب (بمعنى).
(٦) فى ب (القائم).