الوجه الثانى : هو أن اختصاصه بحيزه : إما أن يكون لذاته ، أو لمخصص من خارج.
فإن كان لذاته : فليس هو أولى من تخصيص غيره من الجواهر به ضرورة المساواة فى المعنى.
وإن كان بغيره : فيكون الرب ـ تعالى ـ مفتقرا إلى غيره فى وجوده ؛ فلا يكون واجب الوجود لذاته.
وإن كان غير متحيز : لزم فى كل جوهر أن يكون غير متحيز ؛ ضرورة المساواة فى المعنى ؛ وهو محال.
كيف : وأنه لا معنى للجوهر غير المتحيز بذاته ، فما لا يكون كذلك ؛ لا يكون جوهرا.
الخامس (١) : أنه لو كان جوهرا كالجواهر ؛ لما كان مفيدا لوجود غيره من الجواهر ؛ فإنه لا أولوية لبعض الجواهر بالعلية دون البعض ؛ ويلزم من ذلك أن لا يكون شيء من الجواهر معلولا ، أو أن يكون كل جوهر معلولا للآخر ؛ والكل محال.
فإن قيل : الجواهر وإن تماثلت فى الجوهرية إلا أنها متمايزة ، ومتغايرة بأمور موجبة لتعيين كل واحد منها عن الآخر.
وعند ذلك : فلا مانع من اختصاص بعضها بأمور وأحكام ، لا وجود لها فى البعض الآخر ، ويكون ذلك باعتبار ما به التعين ، لا باعتبار ما به الاشتراك ؛ فنقول : والكلام (٢) فى اختصاص كل واحد بما به التعين كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع ؛ فلم يبق إلا أن يكون اختصاص كل واحد من المتماثلات بما اختص به لمخصص من خارج ؛ وذلك على الله ـ تعالى ـ محال.
هذا / إن قيل إنه جوهر كالجواهر.
وإن قيل إنه جوهر لا كالجواهر : فهو تسليم للمطلوب ؛ فإنا إنما ننكر كونه جوهرا كالجواهر. وإذا عاد (٣) الأمر إلى الإطلاق اللفظى ؛ فالنزاع لفظى ولا مشاحة فيه. إلا من جهة ورود التعبد من الشارع به ؛ ولا يخفى أن ذلك مما لا سبيل إلى إثباته.
__________________
(١) نقل ابن تيمية الوجه الخامس فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٤ / ١٦٥) ثم علق وناقشه فى ص ١٦٦.
(٢) فى ب (فالكلام).
(٣) فى ب (آل).