فإن كان عدم الإرادة أولى / من الإرادة ، فالإرادة تكون ممتنعة ، وإلا كانت الإرادة عبثا. وإن كان لا أولوية ؛ فليست الإرادة أولى من عدمها ، وإلا كان ترجيح أحد المتساويين من غير مرجح ؛ وهو محال. فلم يبق إلا أن تكون الإرادة لما هو الأولى. والأولى من كل شيء ، لا يكون إلا فى أحد طرفيه ؛ فتعين تعلق إرادتهما به.
سلمنا عدم اشتراط الأولى ؛ ولكن كل واحد من الإلهين. لا بد وأن يكون عالما بعواقب الأمور ، وما يقع وما لا يقع ، والمعلوم الواقع من كل شيء ليس إلا أحد طرفيه ، وتعلق الإرادة بخلاف المعلوم محال ؛ فكان متعلق الإرادة واحدا.
سلمنا جواز فرض اختلاف إرادتيهما ؛ ولكن ما ذكرتموه من المحالات ، إنما يلزم من وقوع الاختلاف ، لا من جواز الاختلاف ، فلم قلتم بوقوع الاختلاف؟
سلمنا لزوم المحال من جواز فرض الاختلاف ؛ ولكنه منتقض بتعلق القدرة بالمقدور ؛ وذلك أنه لو انفرد أحدهما ، كان قادرا على إيجاد الحركة ، ولو انفرد الآخر كان قادرا على السكون ، ولو اجتمعا تعذر على كل واحد منهما ما كان قادرا عليه حالة الانفراد.
والجواب :
أما السؤال الأول : فإنما يلزم أن لو لزم رعاية الغرض ، والمقصود فى أفعال الله ـ تعالى ـ وهو ممتنع على ما سيأتى (١).
وأما (٢) الثانى : فإنما يلزم أيضا (٢) أن لو كان تعلق العلم بالواقع مجردا عن كونه مرادا حتى تكون الإرادة تابعة للعلم ؛ وهو ممنوع ؛ بل تعلق العلم بالواقع إنما يكون مشروطا بكونه مرادا.
وعلى هذا فيكون تعلق العلم بالواقع تبعا للإرادة ، لا أن الإرادة تكون تابعة للعلم.
وأما الثالث : فمندفع ، فإنه إذا سلم جواز الاختلاف ؛ فالجائز ما لا يلزم من فرض وقوعه المحال ، والمحال لازم من فرض الوقوع ؛ فالقول بفرض وجود إلهين على وجه يلزمه (٣) فرض المحال ، يوجب كونه محالا.
__________________
(١) انظر ل ١٨٦ / أوما بعدها.
(٢) فى ب (والسؤال الثانى فإنما).
(٣) فى ب (يلزم من ذلك).