ولا جائز أن يقال بالثانى : لأنه لا يخلو : إما أن يكون كل واحد مستقلا بإيجاده ، أو لا استقلال لأحدهما دون الآخر.
فإن كان الأول : فهو محال ؛ لما سبق فى المسلك الّذي قبله.
وإن كان الثانى : فهو مقدور واحد بين قادرين ؛ وهو محال ؛ لأن إحداث كل واحد منهما له إنما هو بالقدرة ، والإرادة كما (١) يأتى لا بالذات (١).
وعند ذلك : فإما أن يقصد كل واحد منهما إيجاد الكل ، أو البعض ، أو بعض الإيجاد ، فإن قصد كل واحد منهما إيجاد الكل ؛ فهو محال ؛ لتعذر استقلاله به كما وقع به الفرض. فإن قصد إيجاد بعض المقدور ؛ فلا بعض له على ما وقع به الفرض ، وإن قصد بعض الإيجاد ؛ فهو متعذر ؛ لتعذر وقوع بعض الإيجاد بقصده.
وإن لم يستند إليهما ، ولا إلى أحدهما : فإما أن يحدث بنفسه ، أو بمحدث آخر.
لا جائز أن يقال بالأول ؛ لما سبق فى مسألة (٢) إثبات واجب الوجود.
ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا فذلك المحدث : إما إله آخر ، أو غير إله.
فإن كان إلها : فالكلام فيه كما تقدم فى القسم الأول.
وان لم يكن إلها : فسنبين أنه لا خالق غير الإله تعالى.
كيف وأن الكلام مفروض فيما لو لم يحدث غير ذلك الجوهر ، ويلزم من ذلك امتناع الحدوث ؛ وهو محال.
وهذه المحالات إنما لزمت من فرض وجود إلهين ؛ فهو محال.
ولقائل أن يقول :
لا نسلم أنه يلزم من اشتراك الإلهين فى صفات الإلهية تماثلهما ؛ لجواز أن يختلط بذاتيهما ، وهما مشتركان فيما فرض من اللوازم العامة لهما.
وعند ذلك فلا يمتنع إسناد الحدوث إلى أحدهما دون الآخر ؛ إذ لا تماثل حتى يقال لا أولوية.
ولا خفاء بأن بيان التماثل مما لا سبيل إليه.
__________________
(١) فى ب (لا بالذات كما يأتى).
(٢) راجع ما سبق فى النوع الأول ـ المسألة الأولى : فى إثبات واجب الوجود لذاته ل ٤١ / أوما بعدها.