ولهذا فإنا لو قدرنا تعدد الآلهة من غير اختلاف ، لم يكن الفساد لازما ، وغاية ما يلزم من انتفاء الفساد ، انتفاء الآلهة المختلفة. ولا يلزم منه انتفاء الآلهة مطلقا ، بتقدير أن تكون متفقة.
سلمنا لزوم الفساد مطلقا ؛ ولكن حالا ، أو مالا؟ الأول : ممنوع ، والثانى مسلم.
ولهذا فإنه لو قال القائل : لو جاء زيد لجاء عمرو ؛ فإنه لا يدل على تعقب مجىء عمرو لمجيء زيد ، فإن حرف لو ليس للتعقيب ، بخلاف الفاء.
وعلى هذا : فلم قلتم بانتفاء الفساد مآلا؟
سلمنا لزوم الفساد حالا ، ولكن من وجود آلهة هى فى السماء والأرض ، أو مطلقا؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. ويدل عليه قوله ـ تعالى ـ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ) (١) : أى فى السماء والأرض. كما قاله أهل التفسير.
وعند ذلك : فلا يلزم من انتفاء الآلهة فى السماء والأرض ، انتفاء آلهة ليست فى السماء ، ولا فى الأرض.
سلمنا لزوم الفساد عند وجود آلهة غير الله ـ تعالى ـ مطلقا ؛ ولكن يحتمل أن يكون الفساد لازما عند وجود آلهة غير الله ـ تعالى ـ لوجودهم فقط. ويحتمل أن يكون ذلك لاجتماعهم مع الله ـ تعالى ـ فبالتقدير الأول : يلزم من نفى / الفساد نفى آلهة غير الله ـ تعالى ـ وبالتقدير الثانى : يلزم نفى الاجتماع. وكما أن نفى الاجتماع يتحقق بنفى آلهة غير الله ؛ فيتحقق بنفى الإله ، ووجود ما سواه من الآلهة ، وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر ؛ فلا بد لكم من دليل اليقين.
سلمنا لزوم الفساد لخصوص وجود آلهة غير الله ـ تعالى ـ ولكن لم قلتم بعدم الفساد؟ وذلك لأن فساد الشيء قد يكون بفساد تركيبه ووضعه ، واختلال مقصوده.
وعند ذلك : فمن الجائز أن يكون تركيب السماء والأرض ووضعهما فاسدا بالنظر إلى تركيب آخر ، ووضع آخر فى علم الله ـ تعالى ـ وإن كنا نظن عدم الفساد فيهما.
سلمنا أنها غير فاسدة ؛ ولكن إنما يلزم من عدم الفساد ، انتفاء (٢) ما جعل ملزوما للفساد ؛ وذلك هو وجود آلهة. ولا يلزم من انتفاء آلهة. أن لا يكون ثم إله آخر مع الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) سورة الأنبياء ٢١ / ٢٢.
(٢) فى ب (وانتفاء).