ثم وإن سلمنا دلالة ذلك على التقبيح ، والتحسين فى أفعال العباد ؛ ولكن لا يلزم مثله فى أفعال الله ـ تعالى ـ مع أنها من صور النزاع ، إلا بطريق قياس الغائب على الشاهد ؛ وهو متعذر كما سبق (١).
ولهذا فإن السيد لو ترك عبيده ، وإماءه يرتكبون الفواحش وهو مطلع عليهم ، وقادر على منعهم ؛ لكان ذلك قبيحا منه ، وقد وجد مثل ذلك فى حق الله تعالى ـ بالنسبة إلى العبيد ، ولم يقبح منه ذلك.
فإن قيل : إنما يمكن تقبيح ذلك من الله ـ تعالى ـ أن لو كان قادرا على منع الخلق من المعاصى ؛ ولا نسلم أنه قادر عليه على ما هو مذهب النظام (٢).
فإن قلتم : إنه يقدر على ذلك بأن لا يخلق لهم القدرة على المعصية ؛ فإنما يصح أن لو كان هو الخالق لقدرهم ؛ وهو غير مسلم ، كما هو مذهب معمّر (٣).
وأيضا فإنه لا يخلو : إما أن يكون الرب ـ تعالى ـ عالما بأن من ارتكب الفواحش لا ينزجر ، أو لم (٤) يعلم (٤) منه ذلك.
لا جائز أن يقال بالثانى : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ جاهلا بعواقب الأمور ؛ وهو ممتنع.
وإن كان عالما بأنه لا ينزجر : فمنعه عن ارتكاب الفاحشة لا يكون مقدورا للرب ـ تعالى ـ بمعنى منعه من الإتيان بها ، وإلا لزم من عدم الإتيان بها أن يكون علم الرب ـ تعالى ـ جهلا ؛ إذ الكلام إنما هو مفروض فيمن علم الله ـ تعالى ـ أنه لا ينزجر عن المعصية ، وأنه لا بد له من فعلها ؛ فلا يكون عدم زجرهم منه مستقيما.
قلنا : أما الإشكال الأول : فمندفع ، بما سنبينه من أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى.
__________________
(١) انظر ل ٤٠ / أ.
(٢) انظر الفرق بين الفرق ص ١٣٣ ففيها تفصيل لرأى النظام.
(٣) معمّر بن عباد السّلمى. معتزلى من الغلاة من أهل البصرة. سكن بغداد ، وناظر النظام. وهو من أعظم القدرية غلوا ، وكان زعيما لفرقة نسبت إليه هى (المعمّريّة) توفى سنة ٢١٥ ه.
(لسان الميزان ٦ : ٧١ والفرق بين الفرق ١٥١ ومقالات الإسلاميين ٧٨ والملل والنحل ٦٥) وانظر ما سيأتى فى الجزء الثانى ـ القاعدة السابعة : الفرقة الرابعة عشرة : المعمرية ل ٢٤٥ / ب وما بعدها.
(٤) فى ب (أو لا).