وكذلك خلق الكفر ، بدليل قوله ـ تعالى ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (١). دل على انتفاء كل مانع غير المستثنى ، وإذا لم يكن خلق القدرة على الكفر ، أو خلق الكفر مانعا من الإيمان ؛ فكذلك خلق القدرة على الإيمان ، أو خلق الإيمان ؛ لا يكون مانعا من الكفر.
وأيضا : فإن إطلاق المنع من (٢) الشيء ، إنما يحسن عند المحاولة لذلك الشيء ، ولا يحسن بتقدير كون الشخص كارها له غير مريد له. ومن خلق له الإيمان ، أو خلقت له القدرة عليه على وجه يكون مقارنا له ؛ فلا يكون محاولا للكفر ؛ بل كارها له ؛ فلا يحسن إطلاق المنع بالنسبة إليه.
والجواب عن الأول : لا نسلم أن خلق القدرة على الكفر ليس مانعا من الإيمان حالة كونه كافرا.
وأما / الآية فهى دليل على أن المانع إنما هو استبعاد قدرة الله ـ تعالى ـ على أن يبعث بشرا رسولا ؛ وذلك عين الكفر ؛ وليس فيها ما يدل على أن الكفر ليس بمانع.
وعن الإشكال الثانى : أن صحة إطلاق المنع عن الشيء يستدعى وقوع المحاولة له ، أو صحة المحاولة لذلك الشيء. الأول ؛ ممنوع ، والثانى ؛ مسلم.
وعلى هذا فلا يلزم من عدم وقوع المحاولة للكفر فى حق المؤمن ؛ امتناع صحة المحاولة له.
وأما المعتزلة : فمدلول أصل (٣) العصمة عندهم أيضا ما هو مدلول اسم التوفيق على اختلاف مذاهبهم ، غير أن من فسر التوفيق منهم باللطف اختلفوا. فمنهم من قال : اللطف إنما يسمى عصمة إذا قارنه الإيمان والطاعة ، وقيل ذلك لا يسمى عصمة.
ومنهم من قال : إنه يسمى مثل ذلك عصمة إذا كان فى علم الله ـ تعالى ـ أن ذلك اللطف يعود إلى الإيمان.
والوجه فى إبطال ما ذكروه. ما أبطلنا به تفسير التوفيق ، بالدعوة واللطف ؛ فعليك بنقله إلى هاهنا.
__________________
(١) سورة الاسراء ١٧ / ٩٤.
(٢) فى ب (على).
(٣) فى ب (اسم).