والمذهب هو الأول ؛ فإن الإطلاق من أهل العرف سائغ ذائع ، بأن ما انتفع به الحيوان ؛ فهو رزقه ، وأن ما لم ينتفع به ليس رزقا له ، وإن كان مملوكا له ؛ بل رزق من انتقل إليه ، وانتفع به.
والنزاع فى هذه المسألة ليس فى غير التسمية ؛ فكان صحة الإطلاق كافيا فيه ؛ فإنه لو كان الرزق هو المنتفع به ؛ لكان ما أخذه الغاصب وانتفع به ، رزقا. ولو كان رزقا له ؛ لما كان ممنوعا من الانتفاع به ، ولا ملوما عليه ، ولا معاقبا.
ويدل على أنه ليس رزقا له النص ، والإطلاق.
أما النص : فقوله ـ تعالى ـ : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١) أثنى على المنفق من رزقه ؛ وذلك غير متحقق فى حق الغاصب بما ينتفع به ؛ فلا يكون رزقا له.
وأيضا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) (٢). أمر بالانفاق من الرزق ، والغاصب منهى عن الإنفاق مما اغتصبه ؛ فدل على أنه ليس رزقا له.
وأما الإطلاق : فهو أن من أخذ مال غيره ، وأحال بينه وبين ملكه ، يصح أن يقال أحال بينه وبين رزقه. وإن لم يكن قد انتفع به ؛ فدل على أن مسمى الرزق غير المنتفع به ؛ وهو الرزق.
والجواب :
أما الحل وانتفاء اللوم ، والعقاب ؛ فغير داخل فى مسمى الرزق ، حتى إذا لم يكن الانتفاع حلالا ، أو كان ملوما معاقبا عليه ، لا يكون رزقا ؛ بل مسمى الرزق : هو المنتفع به لا غير ، وهو متحقق فى حق الغاصب ، واللوم والعقاب والحرمة ، إنما كان لازما فى حق الغاصب من مخالفة نهى الشرع ، وتفويت ملك المعصوم عليه دون إذنه ، ولا منافاة بين الأمرين.
وأما ما ذكروه من الآيتين : فإنما يصح الاحتجاج بهما أن لو اشتملتا على صيغة العموم ؛ ونحن لا نسلم أن العموم له صيغة.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٣.
(٢) سورة المنافقون ٦٣ / ١٠.