وإذا عرف مدلول اسم الخلق ، واختلاف اعتباراته ؛ فقد اختلف المتكلمون فيما هو جهة الحقيقة منه.
فذهب أئمتنا ، وأكثر المعتزلة : إلى أنه حقيقة فى الإيجاد ، والاختراع ، ومجاز فيما عداه.
وذهب الجبائى ، وابنه (أبو (١) هاشم) : إلى أنه حقيقة فى التقدير بمعنى الظن ، والحسبان ، ثم بنيا على هذا الأصل أن الرب ـ تعالى ـ لا يوصف بكونه خالقا حقيقة ؛ لاستحالة الظن والحسبان ، الّذي هو مدلول اسم الخلق حقيقة فى حقه ، وإن كان موجدا ومخترعا حقيقة (٢).
والحق فى هذه المسألة : أن إطلاق اسم الخلق بإزاء ما ذكرناه من الاعتبارات / واقع ، وكونه حقيقة فى البعض (٣) مجاز فى البعض ، أو أنه مشترك : أى (أنه (٤)) حقيقة فى الكل ؛ فمن جملة الوضع ، والوضع على أصول أرباب الأصول دون من لا اعتبار له من الشذوذ ـ لا يثبت بغير الدليل القاطع : وهو النقل المتواتر عن أرباب الوضع ، أو السمع القاطع من جهة الشرع ، ولم يوجد شيء من ذلك. وإن كان الأشبه ، والأغلب على الظن ما ذهب إليه أهل الحق من أئمتنا ؛ إذ هو الشائع ، الزائع ، المتبادر إلى الأفهام من إطلاق اسم الخلق دون ما عداه من الاعتبارات علي ما لا يخفى.
ثم الخلق بمعنى الإيجاد ، والاختراع ، هل هو نفس المخلوق ، أو غيره؟ اختلفوا فيه :
فذهبت الأئمة من المتكلمين ، وأهل الحق : إلى أن الخلق هو نفس المخلوق ، والإيجاد هو نفس الموجود ، والإحداث (٥) نفس المحدث.
ثم بنوا على هذا الأصل رسم الخلق بأنه المقدور الموجود بالقدرة القديمة. وربما عبروا عنه بأنه المقدور الموجود بالقدرة القديمة ، الخارج عن محل القدرة. وذهبت الكرامية إلى أن : الخلق والإحداث صفات حادثة قائمة بذات الرب ـ تعالى ـ ؛ وهو باطل ؛ بما سبق من بيان امتناع قيام الحوادث بذات الرب ـ تعالى (٦) ـ.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) فى ب (فى حقه).
(٣) فى ب (الكل).
(٤) ساقط من أ.
(٥) فى ب (والحادث).
(٦) انظر ل ١٤٦ / أوما بعدها.