وأما أهل الحق : فقد احتجوا بالنص ، والإطلاق ، والمعقول.
أما النص : فقوله ـ تعالى ـ (هذا خَلْقُ اللهِ) (١). وأراد به المخلوق.
وأما الإطلاق : فالعرف شائع ذائع بقولهم : انظر إلى خلق الله. وهذا خلق الله. إشارة إلى المخلوق.
وأما المعقول : فهو أن الخلق لو كان صفة زائدة على نفس المخلوق ، لم يخل : إما أن يكون وجودا ، أو لا وجود.
لا جائز أن يكون لا وجود. فإن نقيض الخلق لا خلق. ولا خلق عدم ؛ لاتصاف المعدوم المستحيل به ؛ فكان الخلق وجودا. وإذا كان وجودا : فإما قديم ، أو حادث.
لا جائز أن يكون قديما : وإلا لزم قدم المخلوق ؛ ضرورة استحالة الخلق ، ولا مخلوق.
وإن كان حادثا : استدعى خلقا آخر ، والكلام فيه ، كالكلام فى الأول ؛ وهو تسلسل ، أو دور ممتنع.
فإن قيل : إذا كان الخلق هو نفس إيجاد الشيء ، واختراعه ؛ فنحن نعقل التفرقة بين وجود الشيء فى نفسه ، وإيجاده بإيجاد غيره له ، وبيانه من وجهين :
الأول : أنا قد نعقل وجود الشيء فى نفسه ، ونجهل إيجاده / بالغير حتى نعرفه بالدليل ؛ والمعلوم غير ما ليس بمعلوم.
الثانى : أنه يصح أن يقال : هذا موجود بإيجاد الغير له ؛ فنصف الوجود بالإيجاد ، والصفة غير الموصوف. وإذا كان كذلك ؛ فلا يكون الخلق هو المخلوق ، ولا الإيجاد هو نفس الموجود.
وأما إطلاق الخلق بإزاء المخلوق : فلا يدل على أن الخلق فى الحقيقة هو نفس المخلوق ؛ بل إنما ذلك تعبرة باسم الخلق عن المخلوق بطريق التجوز بكونه سببا له ، أو ملازما له كما فى إطلاق القدرة على المقدور فى قولهم : انظر إلى قدرة الله : أى مقدوره ، ودليل التأويل : ما ذكرناه من الدليل على كون الخلق حقيقة زائدة على المخلوق.
__________________
(١) سورة لقمان ٣١ / ١١.