وإن سلمنا قدمهما : فلا نسلم إمكان عدم التناهى فى أبعادهما ؛ على ما سيأتى تحقيقه أيضا.
وإن سلمنا عدم التناهى فى أبعادهما : فلا نسلم إمكان امتزاجهما ، فإن الامتزاج بينهما : إما بكليتهما ، أو ببعض كل واحد منهما.
لا جائز أن يقال بالأول : لأن امتزاج أحدهما بالآخر ، لا يكون إلا بحركة كل واحد منهما إلى الآخر ، أو بحركة أحدهما إلى الآخر ، وإلا فكل واحد باق فى حيزه ؛ ولا امتزاج.
والقول بالحركة عليهما ، أو على أحدهما ممتنع لوجهين.
الأول : أنه لو تحرك أحدهما إلى الآخر / لخلا عنه حيزه ، وما لا يتناهى لا يخلو حيزه عنه ، وإلا لتناهى ما لا يتناهى ؛ وهو محال.
الثانى : أن حركتهما : إما أن تكون واجبة ، أو ممكنة.
لا جائز أن تكون واجبة : فإنها صفة (للمتحرك) (١) ، والصفة مفتقرة إلى الموصوف ، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا.
وإن كانت ممكنة : فإما أن تفتقر فى وقوعها إلى مرجح ، أو لا تفتقر.
لا جائز أن يقال بعدم الافتقار : لما تقدم فى إثبات واجب الوجود.
وإن قيل بافتقارها إلى المرجح : فإما أن يكون المرجح لحركة أحدهما إلى الآخر هو نفسه ، أو غيره.
فإن كان نفسه : فالمتحرك إن كان هو النور ، فحركته إلى الظلمة شر من وجه ؛ ويلزم منه صدور الشر عن الخير.
وإن كان هو الظلمة : فحركتها إلى النور خير من وجه ، ويلزم منه صدور الخير عن الشر ؛ وهو ممتنع على أصلهم.
__________________
(١) فى أ (للمتحرش).