سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع تعلق القدرة الحادثة بالضدين معا : لكنه معارض بما يدل على جوازه ، وبيانه من ستة (١) أوجه :
الأول : أنه لو كان القادر على شيء لا يكون قادرا على ضده ؛ لكان فى حكم الملجأ المضطر إلى ذلك المقدور ؛ حيث لا يقدر على الانفكاك عنه ، وذلك يجر إلى إبطال التفرقة بين القادر ، والمضطر ؛ وهو كما (٢) تقدم تحقيقه (٢).
الثانى : هو أن العجز المضاد للقدرة : وهو فلا يمتنع تعلقه بالشيء وضده ، ولهذا فإن العاجز عن القعود ، قد يكون بعينه عاجزا عن القيام ، وكذلك بالعكس ، وكذلك العاجز عن الحركة يمنة ، قد (٣) يكون (٣) عاجزا عن الحركة يسرة إلى نظائره ، ويلزم من ذلك : جواز تعلق القدرة بهما ، لتكون القدرة على مناقضة ضدها.
الثالث : هو أن القاعد : قادر على القعود وهو تارك للقيام ، اختيارا ، وترك الشيء اختيارا يلزمه أن يكون مقدورا ؛ فإن ما لا يكون مقدورا ؛ لا يمكن تركه اختيارا ؛ فالقيام مقدور عليه.
الرابع : هو أن القادر على القيام : فى حالة قيامه يجد من نفسه التمكن من القعود ، والاضطجاع وجدانا لا يمارى فيه عاقل ، ولا يمكن مكابرته ؛ فيكون مقدورا مع القيام أيضا. ولا بد وأن يكون قادرا عليهما ، بقدرة واحدة ، وإلا فلو كان قادرا على كل واحد منهما بقدرة غير القدرة على الآخر ؛ لأمكن فرض عدم إحدى القدرتين ، دون الأخرى.
وعند ذلك : يلزم أن من كان قادرا على القيام ، لا يكون قادرا على القعود وبالعكس ؛ وهو محال.
الخامس : أنه لو اتحد متعلق القدرة الحادثة وقدر أن الله ـ تعالى ـ خلق لمن هو فى مكان القدرة على الكون فى غير ذلك المكان ، ولم يخلق له غيرها ؛ فيلزم أن لا يكون مقتدرا بها على الكون فى مكانه ، وأن لا يكون مقدورها معها ، فيكون كالعاجز الّذي لا قدرة له ؛ وهو محال.
__________________
(١) فى ب (خمسة).
(٢) فى ب (محال كما سبق).
(٣) فى ب (فلا يكون).