قلنا : وإن سلم أنه يلزم من تعلق إحدى القدرتين به وجوده ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من عدم تعلق (١) الأخرى به عدمه ؛ فإنه لا يلزم من انتفاء سبب معين ؛ انتفاء المسبب مع تحقق سبب آخر.
وإنما يلزم انتفاؤه : أن لو انتفت جميع الأسباب ؛ وهو غير مسلم.
كيف : وأن ما ذكروه منتقض على أصلهم حيث قالوا : بأن مقدور العبد حالة كونه مقدورا له ؛ لا يكون مقدورا للرب ـ تعالى ـ ويكون مقدورا للرب ـ تعالى ـ بأن لا يخلق للعبد القدرة عليه. ومع ذلك ما لزم من جواز تعلق القدرة الحادثة والقديمة بالمقدور الواحد فى وقتين ؛ وجود المقدور ، وعدمه معا ؛ لتعلق إحدى القدرتين به ، وعدم تعلق الأخرى به.
وأما تضاد القدر : فقد اختلف أصحابنا فيه.
فمنهم : من جوزه اعتمادا منه على أن القدرتين على الضدين لا يجتمعان ؛ فهما ضدان.
ومنهم : من لم يطلق اسم التضاد فى ذلك ، مع اعترافه باستحالة الجمع نظرا إلى اختلاف متعلقهما ، وأن كل واحدة غير متعلقة بما تعلقت به الأخرى.
وحاصل هذا الاختلاف : يرجع إلى المنازعة فى الإطلاق اللفظى مع الموافقة على المعنى ، ولا حاصل له.
وأما أن القدرة هل تتوقف فى تعلقها بالمقدور على آلات وبنية مخصوصة؟ فقد اشترطه (٢) المعتزلة ؛ لما رأوه من جرى العادة أن الطائر لا يطير إلا بجناحين ، والماشى لا يمشى إلا برجلين ، إلى غير ذلك ، وخالفهم أصحابنا فيه. والكشف عن تحقيق الحق ، وإبطال الباطل ؛ فعلى ما سبق فى الإدراكات (٣).
__________________
(١) فى ب (القدرة الأخرى).
(٢) فى ب (اشترط).
(٣) انظر ل ٩٩ / أوما بعدها.