فإن قيل : علمه بما يناله من الضرر بتقدير الترك ؛ هو المانع له من الترك ؛ فهو باطل من وجهين :
الأول : أن هذا يوجب إطلاق لفظ الإلجاء على كافة القادرين ؛ فإنه ما من أحد (١) إلا ويعلم أنه يتضرر بإلقاء نفسه من شاهق ، أو غيره من المهالك : كالمياه المغرقة ، والنيران المحرقة ؛ فيكون ملجأ إلى تركه ؛ وهو خلاف العرف.
الثانى : أنه يلزم على سياقه أن يكون البارى ـ تعالى ـ ملجأ إلى ترك القبائح ؛ ضرورة علمه بقبحها ، واستغنائه عنها ؛ وكل من هذا شأنه ؛ ففعل القبيح يكون عليه ممتنعا.
ولهذا قالت المعتزلة : إن أهل الجنان ملجئون إلى ترك القبائح ؛ (٢) لعلمهم بقبحها (٢).
واستغنائهم عنها ، والله ـ تعالى ـ يتقدس عن ذلك.
فإن قيل : الملجأ عندنا : هو الممنوع الّذي يناله ضرر بتقدير إقدامه على ترك ما ألجئ إليه ، والرب ـ تعالى ـ متنزه عن لحوق الضرر به.
قلنا : فيلزم على هذا : أن لا يكون أهل الجنة ملجئين إلى ترك القبائح ، إذ لا ضرر عليهم فى فعلها ؛ لعدم التكليف فى الجنة ، وقد قالوا بإلجائهم إلى تركها.
__________________
(١) فى ب (واحد).
(٢) فى ب (لعلمه بالقبح).