قولهم : يلزم أن يكون العادل من فعل مأمورا به : لا نسلم لزوم ذلك على مقتضى ما ذكرناه ، ومرتكب الفواحش قبل (١) ورود الشرع : وإن سمى ظالما ، وامتنع (١) كونه مرتكبا للمنهى شرعا ـ فما امتنع كونه مرتكبا المنهى (٢) عقلا. ونحن فلم نخصص النهى بالشرع ، ليرد علينا ما ذكروه.
فإن قيل : فالعرب قد تسمى الحية ظالمة : وإن لم تكن مرتكبه منهيا عقلا ، ولا شرعا.
ولهذا تقول العرب : فلان أظلم من حية ؛ بل قد تسمى الجمادات بذلك كما فى قولهم : ظلم السهم وجار : إذا مال عن سننه ، وظلم السقا : إذا منع الزبد ، ولم يخرجه بالمخض. وظلمت السماء : إذا حبست قطرها فى أوانه ، ومطرت فى غير أوان المطر.
وقد قال الله ـ تعالى ـ (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) (٣) ، أى آتت بثمرها من غير نقص.
قلنا : ما ذكرتموه : إما أن يكون مع الاعتراف منكم بجواز صدور الظّلم من الجمادات ، والحيوانات العجماوات ، أو لا مع الاعتراف به.
فإن كان الأول : فإما أن يكون السبب فى تسميتها ظالمة صدور الظلم منها ، أو غير ذلك.
فإن كان السبب هو صدور الظلم منها ؛ فيلزمكم أن يسمى الأسد المفترس الضارى ظالما ، والحمل الهائج المؤذى ظالما ، والطفل الّذي لا تمييز له ـ إذا صدر منه الأذى ـ ظالما ؛ وهو محال غير سائغ فى اللغة.
وإن كان الثانى : فقد بطل قولكم : إن الظالم من فعل الظلم ، وكذلك يبطل إن قلتم إن الظلم غير صادر منها.
قولهم : يمتنع أن يسمى ظالما ؛ لكونه فعل ما ليس له ؛ فجوابه ما سبق أيضا فى الوجه الأول.
__________________
(١) فى ب (أن سمى قبل ورود الشرع ظالما ولا مقنع).
(٢) فى ب (النهى).
(٣) سورة الكهف ١٨ / ٣٣.